طوال سنوات، لم يتلقّ أحد أفران صنع الخبز والمناقيش في صور شكوى من زبائنه ضد توسّط المرحاض أحد غرفه الداخلية، بين الآلة المخصصة لصنع العجين وأكياس الطحين. وبينهما، توضع غالونات المحروقات وسط الأكياس والآلات المكشوفة. ولم يتضايق زبائن الفرن المجاور يوماً من قفز الجرذان والفئران في أنحائه، كذلك لم يلتفت آخرون إلى الجراثيم التي يجذبها اللوح الخشبي الذي يوضع عليه العجين، أو إلى عدم وجود سلال المهملات، إلخ. محال بيع اللحوم الـ35 في المدينة كانت محظوظة أيضاً، وأفلتت من شكاوى المواطنين. فلا اللحوم المعلقة خارجاً من دون غطاء أثارت اعتراضاً ما، ولا الحشرات والذباب والعفن المنتشر سبّبت شجاراً بين أحد الزبائن والقصّاب الذي لا يرتدي مريولاً. أما الدلال الحلو، ففي محال الحلويات، حيث طاولات العرض مكشوفة على غرار المواد المصنوعة منها، ما يؤدي إلى إضافة الحشرات وخصلات الشعر إلى مكوّناتها.
تلك الانتهاكات للسلامة والصحة العامة، تمثّل جزءاً من واقع محال بيع الأغذية، ليس في صور فحسب. ولأن أجهزة الرقابة الرسمية مفقودة، قرّرت لجنة الصحة في بلدية صور اتخاذ المبادرة وممارسة صلاحياتها الممنوحة إليها بموجب قانون البلديات. فجنّدت، منذ نحو شهر، أجهزتها، ونزلت إلى الميدان، مطلقة حملة شاملة للكشف على عمل محال بيع اللحوم والحلويات ومياه الشرب. ومنذ الجولات الأولى، تلقّت اللجنة صدمة كبيرة جعلتها تكثّف دورياتها وتشدد إجراءاتها العقابية التي وصلت بدايةً إلى إبلاغ المحال المخالفة إنذارات قد تتطور إلى الإقفال التام إذا لم يجر أصحابها التنظيفات المطلوبة. وأقرّ رئيس اللجنة الطبيب خليل جودي بأن «الحال غير مرضية بتاتاً، وهي ناتجة من غياب الرقابة والمحاسبة الجديتين». وتوخياً لنتائج حقيقية، طلبت اللجنة مؤازرة كل من رئيس مصلحة الصحة في محافظة الجنوب وطبيب مراقب معتمد من قبل وزارة الصحة وطبيب آخر بيطري، خلال «الكبسات» الميدانية التي تنفذها اللجنة ثلاثة أيام أسبوعياً. وعن آلية تطبيق الحملة، أوضح جودي أن اللجنة تضع تقريراً خاصاً بكلّ محل بعد الكشف عليه، وتضمّنه عدداً من التوصيات، وهي عبارة عن لائحة شروط يجب على صاحبه الالتزام بها تحت طائلة الإجراءات العقابية التي تصل إلى حدّ الإقفال. على سبيل المثال، استدعت اللجنة إلى مقر البلدية صاحب أحد الأفران وسلّمته لائحة تطلب فيها منه تجديد طلي الجدران الداخلية، وسد فتحات الجدران والزوايا لمنع دخول الجرذان والفئران، إلى جانب طلب تغطية أكياس الطحين وأوعية مواد صنع المناقيش والمعجنات، واستبدال ألواح الخشب ببلاطات من الرخام لا تجذب الجراثيم وتنظيف المغاسل والمراحيض وشطف الأرض دائماً وإبعاد أكياس الطحين عن المحروقات وعلب الكهرباء.
أما لائحة التوصيات الخاصة بإحدى الملاحم والمسامك والفروج، فقد تحدثت عن وجوب تغطية اللحوم المعلقة، وعرضها داخل المحل، مع إقفال أبوابه منعاً لتسلل الحشرات والغبار، وارتداء المريول الأبيض، فيما أصرّت اللجنة على أن تفحص بنفسها عيّنات من المياه في محال بيع مياه الشرب.
في المؤتمر الصحافي الذي عقدته البلدية، أكد جودي أن الحملة تشمل النظافة المدرسية أيضاً، لافتاً إلى الإشراف على تنظيف حمامات المدارس وخزانات المياه واستبدال خزانات المياه الحديدية بأخرى بلاستيكية، والتأكد من أن الدكاكين تنطبق عليها شروط السلامة العامة. وكانت اللجنة قد وضعت سلسلة توصيات عامة لتفعيل دورها الرقابي والتوجيهي والصحي عبر إلزام محال بيع اللحوم بحيازة شهادات صحية صادرة عن طبيب القضاء، وتجديد الشهادات القديمة، علماً بأن اللجنة كانت قد ضمّت اتحاد مسالخ قضاء صور إلى نطاق عملها منذ أشهر، وباتت تفرض نقل الذبائح إلى الملاحم بشاحنات مبردة بعد التأكد من صحتها. ولأن تطبيق التوصيات مكلف بالنسبة إلى بعض المخالفين، فقد بادرت اللجنة إلى تحمّل بعض نفقات تحسين المحال وتوفير مستوعبات للنفايات العضوية ورفعها يومياً بشاحنات خاصة.