«أحد أسوأ السجون في لبنان». هكذا تصف رئيسة الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل فاطمة بدرا سجن طرابلس «البعيد عن أعين الإعلام، الذي لا تتجه الأنظار إليه إلا في ما ندر». وأوضحت أن السجن «مكتظ جداً، لأن عدد نزلائه فاق الـ900، فيما لا يتسع لأكثر من 400 سجين»، محذرة بالقول: «إننا إذ نضيء على هذه الأزمة الخطيرة، فإننا نسعى إلى وضع الإصبع على الجرح، لعلّنا نصل إلى حلول ناجعة أو توصيات بما يسهم في نزع فتيل الانفجار». قبل أيام، نظمت الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل ندوة حملت عنوان «سجن طرابلس بين المرجو والواقع»، في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي، جددت فيه عرض الواقع البائس لسجن طرابلس، كما بقية السجون في لبنان.
وفي الندوة، عرضت المحامية العامة الاستئنافية في الشمال القاضية أماني حمدان واقع السجن الذي كان إسطبلاً للخيول أيام الانتداب الفرنسي، مشيرة إلى أنه «ما إن تطأ قدماك مدخل السجن، حتى تشعر بثقل معاناة السجناء داخله». وأوضحت حمدان أن عدد نزلاء السجن اليوم تجاوز 950 سجيناً يقيمون في 16 غرفة فقط، بمعدل 60 سجيناً في الغرفة الواحدة، وهو رقم مرشح للارتفاع، لأن عدد نزلاء السجن في أيلول الماضي بلغ 783 سجيناً، ما يعني أن نسبة الزيادة في 3 أشهر ونصف الشهر فقط تجاوزت 17 في المئة! وأشارت إلى أن مساحة كل غرفة من غرفه الـ16 تصل إلى 45 متراً مربعاً تقريباً، وأن بعض السجناء يفترشون الأرض صيفاً وشتاءً، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض.
وسلّطت حمدان الضوء على أبرز مشاكل السجن، مثل غياب الشروط الصحية الأساسية (نقص التهوئة وغياب أشعة الشمس)، ونقص الخدمات الصحية (طبيب واحد لكل سجون الشمال)، ونقص المواد الغذائية (طاهٍ واحد ومساعد لإطعام أكثر من ألف سجين 3 وجبات يومياً)، وعدم فرز السجناء (الموقوفين عن المحكومين)، ونقص فادح في عديد عناصر قوى الأمن (55 عنصراً لحراسة السجن، وآليتان فقط لسوق السجناء إلى المحاكم). ورأت أن «قضية سجن طرابلس تتعلق بالكرامة الإنسانية»، مقدّمة جملة اقتراحات أملت «التفاف كل المجتمع المحلي حولها، ومعالجة مشاكله قبل فوات الأوان».
القاضي في وزارة العدل محمد رعد، العائد من فرنسا حديثاً حيث شارك في مؤتمر عن السجون، أوضح أن فرنسا «احتفلت العام الماضي بمرور 100 عام على نقل مهمات السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل»، معرباً عن الأمل أن تكون الـ100 عام كافية «ليقتدي لبنان بهذه الخطوة قريباً».
ممثل نقابة محامي طرابلس المحامي محمد المراد، وصف واقع سجن القبة بأنه «حزين ومأساوي ومخيف»، مقترحاً «خطة طارئة لمعالجة مشكلة الموقوفين احتياطياً»، وداعياً إلى حلّ مشكلة الموقوفين الإسلاميين، «لأننا نخشى انفجار هذه المشكلة».
مقرر لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب غسان مخيبر، لم يحصر مداخلته في موضوع سجن القبة فقط، بل توسع ليعرض واقع السجون في كل لبنان، لكون هذه القضية «لا تعني السجناء وذويهم فقط، بل كل المجتمع اللبناني»، معتبراً أنه «إذا اعتلّت إدارة السجون اعتلّت العدالة، وأصبح المجتمع اللبناني في خطر»، ومؤكداً أن «من يعتني بالسجناء لا يشجع على الجريمة، بل هو في مقدمة من يسعى إلى الوقاية منها».
وصنّف مخيبر السجون اللبنانية ثلاثة أقسام: سيّئة، سيّئة جداً ولاإنسانية، مدرجاً سجن القبة ضمن التصنيف الثاني، مقارنة بسجن رومية «الذي يُعدّ سجناً من فئة 5 نجوم، لأنه الوحيد المؤهل كي يكون سجناً». ورأى أن الدولة «مُقصّرة في إدارة السجون وإقامة العدالة في لبنان وترسيخها»، لكنه لفت إلى أنه «بعد التوصيات التي وجهتها لجنتا الإدارة والعدل وحقوق الإنسان النيابيتان، بدأ الاهتمام بالسجون من قبل المسؤولين، بعد سنوات من التقصير والإهمال». وحرص مخيبر على توجيه ستة اقتراحات حلول، اعتبرها آنية تهدف إلى حلّ مشكلة السجون في لبنان في المدى القريب، وهي:
1 ـــ معالجة موضوع التوقيف الاحتياطي الذي يُعدّ السبب الرئيسي لاكتظاظ السجون، إذ من بين 40 ألف سجين تقريباً هناك 36 ألف موقوف احتياطي، بعضهم موقوف لأسباب تافهة (سرقة عصفور، عبث بالنفايات!)، معتبراً أن تعليل التوقيف الاحتياطي يسبّب أزمة في القضاء، لأن كل قاض عنده قراءة خاصة للقانون.
2 ـــ تسريع المحاكمات، خصوصاً أن هناك سجناء لا حاجة إلى الاستمرار بتوقيفهم، كذلك فإن بعض القضاة لا يقضون أوقاتاً كافية في مراكز عملهم.
3 ـــ ضرورة زيارة القضاة للسجون، كي يعرفوا إلى أين يرسلون أي موقوف، لأن بعضهم يوقف شخصاً ما على الهاتف.
4 ـــ الإسراع في تطبيق قانون تخفيف العقوبات، وزيادة غرف الاستئناف.
5 ـــ تعديل قانون المخدرات، لأن الموقوفين بهذا الجرم يُعدّون ثلث الموجودين في السجون تقريباً، وضرورة الفصل بين أحكام الاتجار (جريمة قصوى)، والترويج (جنحة) والتعاطي (مرض).
6 ـــ إصدار قانون عفو جديد مشروط، وخفض سنة السجين لتعويض تقصير الدولة على توقيفها اللاإنساني للموقوفين.
منتصف أيلول الماضي، نظّم مركز «ريستارت» لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، الذي ترأسه الناشطة سوزان جبور، لقاءً موسعاً بشأن سجن طرابلس بعنوان «أضواء على الظلمة: سجن طرابلس يضيق بساكنيه»، لفتت فيه إلى أن «وضع سجن القبة في طرابلس خطير جداً، وعلى المسؤولين العمل لتلافي حصول انفجار فيه سيصيبنا جميعاً».
وكشفت جبور حينها أن «الوضع الحالي لسجن القبة لا يقلّ سوءاً عن سجن رومية، لكن الأخير خطف الأضواء من بقية سجون لبنان». وأعلنت خلال اللقاء تأليف لجنة تضم عدداً من القانونيين من قضاة ومحامين، يعملون طوعاً، لـ«تحسين أوضاع أماكن الاحتجاز وظروف حياة الأشخاص المحرومين من حريتهم بعد تفاقم هذه المشكلة، وعدم وجود الحلول ولا من يقدمها».