رفضت سيدات البيوت في بلدة الريحان (جزين) تضييع أوقاتهن، فاتخذن قرارهن بخوض غمار الصناعات المفيدة، وتحديداً إنتاج المونة البيتية وعرضها في الأسواق المحلية. تقول مسؤولة «بيت المونة» سهجنان حسونة إن أربع سيدات أطلقن الفكرة. وتضيف «خلال الاحتلال الإسرائيلي المباشر لبلدة الريحان، سكنّا في بيروت، قبل أن نقرر العودة إلى منازلنا وردّ الحياة إليها مجدداً بعد طول هجران». وتتابع أن فكرة إنشاء المشروع «تبلورت إثر عدوان تموز عام 2006، بعدما قررنا الانخراط في أعمال خاصة تمثلت في تحويل ما يمكن انتاجه من مؤونة إلى معرض دائم. وإذ كانت تنقصنا المعدّات، اتصلنا برئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة فضل الله حسونة، وعرضنا الفكرة، فسارع إلى تزويدنا بمعدات وتجهيزات لتقطير ماء الزهر وماء الورد والعديد من الأعشاب المعطرة، وغلّاية صابون مع مقص، إضافة إلى عصارة للبندورة ومكبس للمكدوس».كثيرة هي الأصناف التي تنتجها سيدات الريحان، منها الكمونة والزهورات وماء الزهر وماء الورد والقصعين والعسل والكبيس والمكدوس والبابونج، ومربى التفاح والسفرجل والباذنجان والتين واليقطين، فضلاً عن زراعات يابسة كالملوخية والبصل وغيرها، والحبوب على أنواعها.
لا تقتصر منتجات «بيت المونة» على ما يصنّع في «مطبخه»، بل يفتح أبوابه لكل سيدات الريحان لعرض ما يفيض عن انتاجهن البيتي. مثلاً، «لو صنعت إحداهن رب البندورة الذي يعرف محلياً بشراب البندورة، وفاض عن حاجتها كمية كبيرة أو صغيرة، يمكنها أن تأتي به إلى بيت المونة، فنعرضه أو نشتريه منها مقابل ربح بسيط نغطي من خلاله بعض التكاليف».
اعتادت سيدات الريحان عرض نتاجهن في معرض عبرا (شرق صيدا). اختلف الأمر خلال السنوات الثلاث الأخيرة. تقول حسونة: «اهتدينا إلى معرض أرضي وعملنا على تجهيزه. أعطانا المعرض دفعاً قوياً، وأمّن لنا زبائن دائمين من خارج المنطقة، مثل بيروت وحارة حريك وبشامون وغيرها». وتلفت إلى أنه «يمكن من خلال اتصال هاتفي تأمين المؤونة المطلوبة لأي سيدة على الأراضي اللبنانية، حتى أننا نؤمن أصنافاً ربما تكون غير متوفرة لدينا لكن موجودة في بيوت الضيعة التي نثق بجودتها».
تهتم نساء الريحان إلى حد كبير بـ«كبس الزيتون» وعصر الزيت. وتشير حسونة إلى نفاد «مراطبين الزيتون التي كبسناها هذا العام، بعدما بعنا كمية كبيرة من الزيت». وتضيف «نتيجة غزارة الموسم، بعنا التنكة بمئتي ألف ليرة لبنانية»، لافتة إلى أن «معظم الناس يفضّلون زيت الريحان بسبب الأرض البيضاء التي تنتجه، عدا نظافته وصموده من موسم إلى آخر».
يقع «بيت المونة» وسط ساحة الريحان، بالقرب من عين مائها القديمة. بات معروفاً لدى كل أبناء البلدة، وحتى القاطنين خارجها التي تتجاوز نسبتهم السبعين في المئة. تقول حسونة: «لا بد أن يعرج هؤلاء على بيت المونة ليستطلعوا جديد نتاجنا في نهاية كل أسبوع». وتشرح أن أبناء البلدة «يعرفون المواسم الزراعية ونتاجها، وبالتالي هم قادرون على تحديد الأوقات التي تصبح فيها بعض الأصناف جاهزة. وحين تنفد الكمية فيما الطلب مستمر، نقدم على جولة ثانية من التصنيع أو الطبخ».
لا يمكن الحديث عن بين المونة من دون عسله. تؤكد حسونة أن «العسل محلي بامتياز، يقطف من الأحراج القريبة حيث تنتشر العديد من قفران النحل، علماً أن البلدة غنية بمائها وخضرتها الدائمة ومحاطة بالأحراج، وتنتشر في حقولها نسبة عالية من الأزهار. لذلك، فإن عسل البلدة يتمتع بجودة عالية ويزداد الطلب عليه». وغالباً ما يهتم الناس باقتناء العسل لفوائده الكثيرة، منها تعويض السكريات المستهلكة بسبب المجهود الجسماني أو الذهني، تقوية القلب، تنظيم ضغط الدم، زيادة القوة والطاقة لدى ممارسة الرياضة، نمو الأسنان وحمايتها، فضلاً عن الوقاية من أمراض عدة كالبد واضطرابات الجهاز الهضمي. أما «الزهورات» والأعشاب البرية المختلفة، وخصوصاً العطرية منها، «فتقطف على أيدي نساء البلدة رغم صعوبة الأمر عليهن، لأن الدخول إلى بعض الحقول لا يزال مشوباً بالمخاطر بسبب الألغام؛ فالعدو احتل مواقع عدة على تلال الريحان قبل انسحابه عام 2000».