رغم استبدال غالبية سكان الأرياف خبز الصاج والتنور البلدي بالخبز المصنّع في الأفران الحديثة، لا تزال ربات المنازل في القرى الجبلية «يحسبن ألف حساب» لأيام البرد والصقيع التي تنقطع فيها الطرقات من جراء تراكم الثلوج. وتداركاً لعدم تمكن وسائل النقل من توفير حاجة هذه الأسر من خبز الأفران المنتشرة في المدن والبلدات الكبيرة، «تخبئ» ربات المنازل بعض الطحين لإعداد الخبز والفطائر المحشوة «بالبطاطا والكشك واللبنة بقاورما وغيرها من معجنات تُعدّها أفران وجاقات التدفئة العاملة على المازوت أو الحطب». لا تبالي أم خالد لاشتداد العاصفة وتراكم الثلوج على الطريق المؤدي إلى قريتها الواقعة في شرق زحلة. فمع اقتراب ساعة الظهيرة «عجنت» كمية من دقيق القمح في وعاء معدني، ووضعته بالقرب من وجاق الحطب كي يلين. أم خالد ستصنع «فطاير البطاطا بقاورما أو لحمة». وعن طريقة إعداد الخلطة، تقول: «لكل كيلوغرام من البطاطا المبروشة بواسطة آلة مخصصة لذلك، نضع رأسين من البصل المفروم ونصف كلغ لحمة مفرومة أو قاورما، نضيف إليها مقدار كباية زيت نباتي وملعقة سمّاق ناعم مع رشة بهار، ثم تخلط هذه الكميات». بعد ذلك «توضع على رقائق العجين التي تُقطَّع دائرياً بواسطة كباية مستديرة بقطر 15 سنتم تقريباً، ويصار إلى لفّها لتأخذ شكل المثلث وتوضع في وعاء معدني داخل فرن الوجاق حتى يصبح فيها لون المكونات مائلاً إلى الاحمرار». ويمكن بالطريقة نفسها إعداد فطائر البطاطا بالبندورة التي تضاف إلى المكونات بدلاً من اللحمة أو القورما، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفطائر المحشوة بالقورما واللبنة أو بالكشك الحار. وبعيداً عن الفطائر المطلوبة بشدة في الطقس العاصف، لا يفوت أم خالد التذكير بالوجبات الساخنة التي تواظب ربات المنازل في القرى على إعدادها في الأيام الباردة، من بينها: طبخة «الشيش برك»، وهي كناية عن «خليط من العجين المقسّم إلى قطع صغيرة بشكل مثلثات، تُحشى بالقورما وتُغلى مع خليط من سائل اللبن والرز». ومن الوجبات الساخنة أيضاً «الرشتا» المكونة من «قطع عجين صغيرة تفتل على شكل أصابع رفيعة وتطهى مع العدس ومزيج من تقلاية الزيت والبصل». وهناك «المخلوطة» التي يدل اسمها على مكوناتها المؤلفة من العدس والفاصوليا والحمص والبرغل الخشن، مضافةً إليها «تقلاية الزيت والبصل». يذكر أن الجلسات القروية في الليالي الباردة لا تخلو أيضاً من أطباق القمح المسلوق التي لا يحتاج إعدادها الى عناء؛ إذ يكفي مقدار كلغ واحد من القمح المغلي بالماء، تُضاف إليها كمية من السكر وحبات من الجوز مع رشة من جوز الهند، وذلك بحسب الرغبة. هذا فضلاً عن «الزبيب والقضامي والفريكة بالدبس، فالأخيرة مزيج من عجين القمح أو الذرة المخلوط مع دبس العنب أو الخرنوب». وعن كيفية إعدادها، تقول أم خالد إن «كل ما نحتاجه هو عجينة ممزوجة بسائل الدبس يجري فركها يدوياً بعد تجفيفها، من ثم توضيبها في أوعية معدنيّة أو زجاجيّة تحفظ بعيداً عن الرطوبة، لتقدم باردة خلال سهرات الشتاء».