محمود وحسين لم يخالفا قواعد اللعبة في عالم تجارة الآثار، لكنهما يدركان قصة السمسار طوني (اسم مستعار)، الذي حاول تجاوز «التجار الكبار» والبيع في الأسواق العالمية.يروي محمود أن طوني هذا اشتهر خلال سنوات الحرب بقدرته على التهريب عبر «بيروت الشرقية» ومرفأ جونية. ومن ثم لاحقاً راجت تجارته مع قوات اليونيفيل عبر مرفأ الناقورة. وكانت قدرته على الشراء غير محدودة، وكان لا يخاف شيئاً. لذا، حينما نصب له التجار الكبار والسماسرة شركاً وقع فيه، ما أودى به في عالم الإتجار. «لم يعد طوني من التجار الأقوياء، وما من أحد مستعد لأن يبيعه. منذ نحو 10 أعوام لم يبعه أحد أي قطعة. فهم يعدّونه «ضعيفاً وميتاً» فضلاً عن أنه ليس «دفّيعاً». أصبح هناك تجار «أكبر وأقوى بكثير منه»، يقول حسين. بعدما «أكل الضرب» مراراً، وبطريقة سيتبيّن لاحقاً أنها كانت مدروسة بدقة. فقد اشترى طوني قطعتين أثريتين، كلفته إحداهما ثلاثين ألف دولار، ليكتشف لاحقاً، بالصدفة، أن تلك القطعة كانت مزوّرة لأنه وجد مثيتلها عند تاجر آخر، لأنه يُفترض ألا ينطوي المكان الذي استخرجت منه هذه القطعة على قطعة أخرى مثيلة لها».
الحرب بين تجار الآثار لم تعد تقتصر على «اللعب» بالمزوّر ، بل تعدّته إلى الهمس الديني، يقول حسين في هذا الشأن: «طوني أصبح أضعف واحد لأن المنطقة هنا ذات أغلبية مسلمة، وكثيراً ما كان يأتيني تجار آثار يلقون اللوم عليّ لأني أبيع تاجراً مسيحياً ولا أبيعها لهم وهم مسلمون مثلي». يفسر حسين هبوط أسهم طوني بسبب بسيط، هو أن «هذا النوع من التجارة يفترض أن تكون إما محمياً من جهة سياسية نافذة لها حصة من تجارتك ، وإما أن تكون مجرماً، بحيث لا يجرؤ أحد على المساس بك». لم يستطع طوني أن يحافظ على سند قوي يقيه حروب التجارة و«الطائفية». ولم يجد حسين بداً للاستمرار في التنقيب والبيع من مغادرة صور باتجاه برج الشمالي والصرفند وصيدا، لأن «الرقابة في صور أصبحت شديدة، والعالم بدها مصاري بأي طريقة». يقول محمود إن تجارة القطع الأثرية المزوّرة أصبحت رائجة في صور والمناطق، ومعظم العاملين فيها من المعدمين مادياً. ينتظرون بفارغ الصبر مجيء عناصر من إحدى كتائب اليونيفيل أو السياح الأجانب إلى منطقة الآثارات البحرية أو آثارات البصّ ليعرضوا عليهم بضاعتهم. ويتم ذلك أحياناً بطريقة تنطوي على الكثير من الاحتيال، بحيث يقضي أحدهم وقته عند شاطئ البحر وبحوزته عملات مزوّرة أغرقها في الرمال بطريقة «فنية»، وما إن يصل السائح حتى يتقدم نحوه عارضاً قطعاً أثرية يؤكد أنه استخرجها للتوّ من البحر. أما بالنسبة إلى السوق، فالتجار يرون أن السيّاح الفرنسيين «فريسة سهلة» فهم يشترون كميات لا بأس بها من البضاعة، وخاصة إذا كان لديهم ثقة بالمترجم والمرشد السياحي. وتتوزع هذه البضاعة على قطع معدنية وعملات رومانية وبيزنطية وتماثيل من الحجارة وبعض الفخار والزجاج، ويراوح سعر القطعة منها بين ثلاثين وخمسين دولاراً.