بعد مرورّ شهر على صدور تعميم وزارة التربية، الذي منعت فيه تلامذة المدارس الرسمية من استخدام أجهزة الهاتف الخلوي، يبدو أن القرار ظل حبراً على ورق
البقاع ــ رامح حمية
«بناءً على مقتضيات المصلحة العامة، يحظر على جميع تلامذة المدارس الرسمية، على اختلاف أنواعها ومراحلها، حمل أجهزة الهاتف الخلوي واستخدامها. ويطلب إلى مديري المدارس مصادرة أي جهاز خلوي واتخاذ العقوبات بحق المخالفين». هذا هو نص التعميم الذي صدر عن وزارة التربية بتاريخ 16/10/2009، ووزعت نسخ عنه في جميع الصفوف، ولكلّ المراحل والاختصاصات، سواء في المدارس الفنية أو الأكاديمية في البقاع، وذلك بهدف الحد من «موضة» الخلوي، التي تفشّت بين أيدي الطلاب منذ السنة الماضية («الأخبار» عدد 754 بتاريخ 23 شباط 2009). إلّا أن خطوة التعميم لم تُجدِ نفعاً حتى هذه الساعة، فقد قوبلت بالرفض من جانب التلامذة، الذين آثروا «التحدي» والاحتفاظ بالخلوي في جيوبهم، والإقدام على تمزيق عدد من نسخ التعميم من صفوفهم وإخفائها، متذرعين بـ «حاجتهم الماسة إلى الهاتف»، في ظل عدم احتجاج واضح من جانب الأهل، حيث يؤكد غالبية التلامذة أن أهاليهم على علم بامتلاكهم لها، وأنهم هم المسؤولون عن «تشريج خطوطهم بالدولارات».
وكانت ظاهرة الخلوي قد انتشرت كالنار في الهشيم في مدارس البقاع. فالمربّون فيها يؤكدون أن نسبة التلامذة الذين يملكون خلوياً مرتفعة جداً في مختلف مدارس المنطقة ومعاهدها، وهو أمر لافت بدأ بالتفاقم منذ انخفاض أسعار خطوط الخلوي، وتفشّي ظاهرة «تشريج» وتبادل الدولارات التي أصبحت ممكنة منذ فترة قصيرة نسبياً. وتشير المربّية رمزية سليمان إلى أن الظاهرة باتت «مستشرية» في كل المدارس والمراحل، وهي بمثابة مشكلة لا بد من معالجتها، لأن التلامذة غالباً ما يستخدمون هواتفهم للمشاكسات في ما بينهم، وللتسبب بالإزعاج للأساتذة لا للاتصال بأهاليهم كما يدّعون. وأكدت سليمان أن نسب امتلاك الطلاب للخلوي «مثيرة للجدل ولافتة»، حيث يكاد لا يخلو أي صف في كل مدرسة من طلاب يمتلكون الخلوي. وبحسب الناظر العام في إحدى الثانويات الرسمية البقاعية، فإن أكثر من 75% من طلاب الثانوية يحملون هواتف، فالهاتف لم يعد حكراً على الغني دون الفقير، بل أصبح بمتناول الجميع. واللافت أنه وصل إلى جميع صفوف المراحل المتوسطة والثانوية. ولا يخفي غالبية الأساتذة، سواء في المدارس أو في المهنيات الرسمية مدى خطورة الهاتف الخلوي بين أيدي الطلاب، وذلك لجهة توفيره خدمات، سواء على الإنترنت أو على البلوتوث، تسمح بتبادل الأفلام القصيرة وتناقلها، الأخلاقي منها وغير الأخلاقي، فضلاً عن الصور والشعارات السياسية التي تتنافر بفعل الانقسامات السياسية في البلد، ما يمثّل خطراً محدقاً بالنشء الجديد».
يرفض الطلاب بشكل قاطع الانصياع للتعميم، لأنهم لا يرون في الأمر مشكلة بل «وضعاً طبيعياً... فالعالم يتقدم ويتطور، وكل شيء لديه حسنات وسيئات كما هي الحال مع الإنترنت»، بحسب ما تشير الطالبة «بتول» (بريفيه) التي تؤكد أن أهلها كانوا هم من زوّدوها بالهاتف بهدف البقاء على تواصل معها فيما «لو غادرت المدرسة وقررت زيارة إحدى الصديقات». أما ندى، فتؤكد أن الهدف من اقتنائها الخلوي هو التواصل مع خطيبها، ومعرفة موعد «مأذونيته» وتاريخ قدومه لكي يقلّها من المدرسة. فيما رأى حسين شداد، طالب اقتصاد واجتماع، أن اقتناءه الخلوي جاء نتيجة امتلاك جميع زملائه له، الأمر الذي يسبب له «إحراجاً» فيما لو لم يمتلك واحداً. «ليش بعد في حدا صغير أو كبير ما معه خليوي؟ الخط بـ5000 ليرة، وتشريج الوحدات من مصروفي اليومي»، كما يقول، مشيراً إلى أنه يبقيه دائماً «silent» عند دخوله

يُظلَم معظم التلامذة بسبب ما يقترفه بعض زملائهم من «مشاغبات صبيانية»
قاعات التدريس، لذلك لن ينصاع للحظر المفروض من جانب الإدارة. بدورها، ترى الطالبة منى حمية، سنة ثانية تربية حضانية، في منع الخلوي «تجنياً» بحق الطلاب، حيث يُظلَم البعض بسبب ما يقترفه الآخرون من زملائهم ممن يسعون إلى استخدام الهاتف في «مشاغبات صبيانية» مع زملائهم أو أساتذتهم.
أما الطالب خضر زعيتر، سنة ثالثة محاسبة ومعلوماتية، فقد كشف بصراحة عن سبب حاجة التلامذة إلى الخلوي، حين أشار إلى أن الاستماع إلى الأغاني الحديثة والأفلام المضحكة، وتناقلها عبر خدمة «البلوتوث» هما من «البديهيات»، فهم يسعون مثلاً إلى التعرف إلى أرقام الأساتذة، وسرقة «وحداتهم» (الدولارات)، أو التناوب في ما بينهم على «المستكة» (missed calls) للأستاذ بهدف تشتيت انتباهه، وإضاعة أكبر قدر ممكن من وقت الحصة، وخصوصاً تلك التي يشعرون فيها بالملل، فضلاً عن تسجيل غالبية «المقالب» سواء بالأساتذة أو الطلاب، ونشرها على موقع «الفايسبوك». ولا ينكر التلامذة أنهم يستخدمون الخلوي بهدف التعرف إلى زميلاتهم «الصبايا في الصفوف الأدنى أو الأعلى»، وذلك إما بطريقة «الماسج» الغرامي، أو «الاتصال الخاطئ» الذي يليه اعتذار فكلام وسلام وموعد ولقاء في المدرسة.
لعل الأطرف هو ما أتت إحدى المربّيات (رفضت ذكر اسمها) على ذكره، وهو إقدام إحدى التلميذات في الصف التاسع، على استجدائها إرسال دولار على رقمها حتى تتمكن من «التعليم» لخطيبها، وهو ما عدّته المربية «تصرفاً فيه من السذاجة والوقاحة» ما يكفي لتضافر الجهود بهدف حظر هذه الظاهرة، التي تفشّت بطريقة «لافتة ومزعجة».


عوائق تنفيذ التعمي

أكد عدد من مديري المدارس صعوبة تنفيذ التعميم. أحدهم عزا ذلك إلى استحالة تفتيش التلامذة كل يوم، وإلى إصرار بعض الأهالي على إبقاء الهواتف مع أبنائهم بهدف التواصل معهم.
أما عمليات المصادرة، فلم تُجدِ نفعاً، إذ تمكّنت إحدى الإدارات من ضبط أكثر من 75 خلوياً، لكنها واجهت من بعدها سيلاً من اتصالات الأهالي، الذين طالبوها بإعادة الهواتف إلى أبنائهم، متعهدين أن يجبروهم على إبقائها «صامتة».