يقيم 13 ألف مواطن في الليلكي، لكنهم لا يمثّلون قوة ناخبة مؤثرة حيث يقطنون. هم يتبعون بلدية الحدث «بالاسم فقط» معلنين افتقارهم إلى كلّ أنواع الخدمات: الطرق، المياه، الكهرباء، إلخ. اللافت أن البلدية تعترف بهذا التقصير، لكنّها تعلن العجز أيضاً. «فالليلكي تحتاج إلى موازنة دولة لحلّ مشاكلها»
منهال الأمين
قبل أسابيع، مدّدت فرق العمل الاجتماعي في حزب الله شبكات جديدة للمياه في حيّ الليلكي. قوبلت هذه المبادرة برش الأرز من بعض النسوة اللواتي أنهكهن حمل غالونات المياه والصعود بها على أدراج المباني. هذا، على الرغم من أن المياه تغرق بعض طرق الحيّ وزواريبه، محوّلة إياها إلى مستنقعات. ما جعل الوصول إلى قلب المنطقة من دون امتطاء دراجة نارية مستحيلاً.
«نحن نتحسّر على نقطة ماء وهم يهدرونها في الطرق»، تشكو رباب شمص. لذلك، وجدت نفسها ترش الأرزّ على الفرق التي مدّدت شبكة مياه جديدة وصلت إلى كلّ منزل في الأحياء الثلاثة في الليلكي، حجولا وشمص ومشيك. لكن فرحتها لم تكتمل، فبعد إتمام تمديد القساطل، طرأ عطل على «الناعورة» التي تمثّل مصدر المياه، ما قد يؤخر وصولها وقتاً إضافياً. لذلك، طالبت حزب الله بأن يكمل المشروع حتى النهاية، «لا يكفي أن نمدّ الشبكة وندير لها ظهرنا».
وكان قد أنشأ «الناعورة»، التي تُعدّ مصدر المياه، مكتب السيد محمد حسين فضل الله، أواخر السبعينيات من القرن الماضي. ثم عاد حزب الله واهتم بها لبعض الوقت لكنها توقفت منذ سنوات. وفي عام 2003 انقطعت مياه عين الدلبة مع وعود متكرّرة بإعادة تشغيلها عبر مدّ شبكة جديدة. وعود لم تنفذ «والحجة عدم وجود كادر بشري لإدارتها»، وفق صالح حيدر، أمين سرّ اللجنة الشعبية في الليلكي التي تأسست عام 1975، وقامت مقام البلدية لتحلّ مشاكل الحي.إلا أن المشاكل أكبر من قدرة جمعية على حلّها، إذ يتجاوز عدد سكان الليلكي 13 ألف نسمة، يفتقرون إلى «أبسط مقوّمات الحياة»، يقول صالح حيدر موضحاً: «لا بنى تحتية ولا كهرباء ولا مياه ولا طرق. نفتح خزّاناتنا حين تمطر لعلّها تجمع ما فيه النصيب». ويشرح أن الأهالي اعتمدوا في ما مضى على مياه عين الدلبة، ولكن «على الرغم من أنها كانت لا تكفي، انقطعت نهائياً بعد العطل الذي أصاب الخط الرئيسي، فلجأنا إلى الاشتراك في الآبار الارتوازية الخاصة بـ30 ألف ليرة شهرياً». أما الكهرباء فإن «وجودها عزيز. التيار ينقطع باستمرار حتى خلال ساعات التغذية، بسبب الضغط الكبير على الترانسات القديمة التي لا تتناسب طاقتها مع الكثافة السكانية هنا». ويلفت حيدر إلى أن بيوت المنطقة شرعية «لم تُبنَ لا بالمخالفات ولا على أراضٍ مغصوبة، ومع هذا فإن الخدمات شبه معدومة: شبكة صرف صحي معطلة منذ عام 1970، طرق محفّرة، أعمدة الإنارة بحاجة إلى صيانة، مياه مقطوعة، وإذا حضرت فالبقطّارة».
يلجأ الأهالي إلى نواب مناطقهم الأصلية سعياً لتحقيق مطالبهم
يتحدّر معظم سكان الحيّ من البقاع، وهم ممن نزحوا بحثاً عن فرصة عمل لتحسين أوضاعهم بعدما ضاقت بهم سبل العيش في قراهم. حالهم حال مئات الآلاف من سكان الضاحية الذين لا يحظون بنعمة الانتماء إلى هذه البلدية أو تلك، حتى لو كانوا يعيشون، عقارياً، في نطاقها. ومعروف أنّ الناخبين في هذه المنطقة يتجاوزون نصف السكان بكثير، ولكن لا وزن انتخابياً لهم في أمكنة إقامتهم. والدليل تقاعس بلدية الحدث، التي يتبع لها حي الليلكي عقارياً، عن تلبية حاجاتها، وهذا بحسب شهادات الأهالي، وحتى تأكيد الأخيرة عجزها عن القيام بواجباتها «لأن الليلكي بحاجة إلى ميزانية دولة»، يقول رئيس البلدية أنطوان كرم. لذلك يلجأ الأهالي إلى نواب مناطقهم الأصلية سعياً لتحقيق مطالبهم «إذا طلع بإيدهم شي» كما يقول كثيرون هنا.
في ظلّ هذا الواقع، ما هو موقع البلدية من كل ما يجري؟
بحسب حيدر وعدد من أبناء الحي، هي لم تتجاوب مع الطلبات التي تقدموا بها، «على الأقل إصلاح أعمدة الإنارة وربطها بشبكة الكهرباء، ولم تساعد في مشروع مدّ المياه، فضلاً عن رفض رئيس البلدية استقبال وفد من المنطقة لعرض تلك المطالب عليه». وهذا ما ينفيه كرم، مؤكداً لـ«الأخبار» أن بابه «مفتوح للجميع من دون موعد مسبق». ولكنه يقرّ بعدم وجود إمكانيات تسمح للبلدية بالاضطلاع بدورها تجاه سكان الحي، كاشفاً عن «رصد مجلس الإنماء والإعمار مبلغ 13 مليار ليرة منذ سنتين لتأهيل البنى التحتية في الحي، إلا أن المشروع توقف من دون أسباب واضحة». يضيف أنه بعد الملاحقة «بمواكبة من النائب حسين الحاج حسن، لم نحصل على جواب حتى تاريخنا هذا». في مقابل شكوى الأهالي من إهمال البلدية لهم، يؤكد كرم العمل «ضمن ما تسمح به الإمكانيات، كجمع النفايات وفتح المجاري عند الضرورة». مع أن هذه الأخيرة تسيل في الشوارع باستمرار.
أما بالنسبة إلى الجباية، فيعترف الجميع بوجود خلل يعتري هذه العملية منذ سنوات طويلة. صالح حيدر، مثلاً، ظلّ يدفع فواتير المياه حتى عام 2003، من دون أن يصله منها قطرة «عندها قرّرت الامتناع وليكن ما يكون». كما أن أهالي الحي لا يدفعون أي رسوم، لا للبلدية ولا لغيرها «لماذا ندفع ما دمنا لا نتلقى أي خدمات؟»، يسأل صالح، ويضيف: «نحن نقول للدولة وللبلدية أعطونا حاجاتنا وخذوا ما تريدون، فنحن لا نتهرب من واجباتنا».
في المقابل يشير كرم إلى أنّ البلدية تتكلف مبالغ طائلة مثلاً على جمع النفايات عبر شركة سوكلين في نطاق البلدية «وهذا يشمل طبعاً منطقة الليلكي». على الرغم من ذلك، تبقى عين المواطنين «حمراء» على البلدية، شاكين عدم تجاوبها مع مطالبهم «ما تكرّموا علينا حتى بشرطي ينظم السير أثناء مد شبكة المياه الجديدة»، يقول عباس الحسيني الذي رحّب بمشروع حزب الله «على الرغم من أن شحّ المياه دفعني إلى شراء خزان لبيع المياه». يذكّره علي شمص بأنه أصبح مديوناً له بثمن خزانين. «ونصف خزان اليوم ما تنسى»، يذكّره عباس بدوره، مشبهاً وضعه بـ«حزين وقع في كرم تين!».
لا يخفي الأهالي خوفهم من التعديات التي قد تتعرض لها شبكة المياه الجديدة، بناءً على تجاربهم السابقة، ما قد يؤدي إلى ضعف الضخ من جهة، أو تلفها من جهة أخرى، «عادة ما تكون ردة الفعل عدوانية، على قاعدة يا بتجي عندي أو ما تجي عند حدا». حتى أن البعض لجأ سابقاً إلى كسر الخط الرئيسي، لأن المياه لا تصله أسوة بالآخرين.
ويرى رئيس البلدية في هذا الأمر عاملاً مؤثراً في ضعف الخدمات، «وهو ينسحب على مرافق أخرى، كالمصابيح التي قد تُكسر لا لشيء إلا للتسلية»، يقول. لكنّ كرم لا يرى أن البلدية معنية بحل مشكلة المياه إلا بالمتابعة والمطالبة «فهذه مسؤولية مصلحة مياه بيروت (بعد دمج عين الدلبة بها)».


3 أسئلة إلى: حسين الحاج حسن

1) أين أصبح مشروع البنى التحتية في الليلكي؟

سعينا في ما مضى لتأمين تمويل لمد شبكة بنى تحتية في منطقة حي الليلكي، عبر مجلس الإنماء والإعمار، إلا أن ما تم تأمينه لا يغطي إلا جزءاً بسيطاً من المشروع. لذلك على الحكومة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار السعي لتأمين التمويل اللازم والكافي لإنجاز المشروع كاملاً من خلال مدّ شبكتي ماء وكهرباء وتأهيل الطرق وأعمدة الإنارة، وكلها خدمات بديهية.

2) في أي سياق يندرج قيام «حزب الله» بمدّ شبكة مياه في الحي القديم في الليلكي؟

يندرج هذا الأمر في سياق التعويض عن التقصير المزمن للدولة، بل غيابها الكلي عن هذه المنطقة المحرومة. حزب الله يجد نفسه ملزماً بمساعدة الناس قدر استطاعته لتامين أبسط مقومات الحياة، وخصوصاً المياه، وغيرها من خدمات شبه غائبة عن مناطق كالليلكي وكذلك حي السلم والأوزاعي والرمل العالي وغيرها.

3) الليلكي نموذج ساطع لموضوع المقيمين خارج بلدياتهم، أي المكلفين غير المسجلين انتخابياً، ما هو تصوّر حزب الله لحل هذه الإشكالية؟

هذه مشكلة مستعصية ولا حلّ لها، وهي تشمل كل لبنان، وإن كانت مستفحلة في الضاحية الجنوبية، وخصوصاً في الليلكي وحي السلم. ولا أرى أن الأفق القريب يحمل جواباً عليها لناحية قانون الانتخاب أو غير ذلك من حلول. لكن التنسيق متواصل مع بلديات المنطقة المعنية لتقديم الخدمات وهذا من أبسط الحقوق.