طرابلس ــ عبد الكافي الصمد«تحولت النعمة إلى نقمة». بهذه العبارة، يعلّق أهالي بلدة دير عمار في ساحل قضاء المنية ـــــ الضنية على وجود معمل لإنتاج الكهرباء في بلدتهم. فهذه «النعمة» التي يحسدهم عليها الكثيرون من أبناء البلدات المجاورة أتت بالويلات على البلدة، وخصوصاً لجهة الأضرار البيئية والصحية التي خلّفها هذا المعمل هناك.
وما يُضحك هنا، أنّ أهالي البلدة لم يستفيدوا من كهرباء المعمل إلّا بعد سنوات على إنشائه، «بعدما نظّم هؤلاء سلسلة احتجاجات لتوفير التيار الكهربائي»، يقول رئيس بلدية دير عمار أحمد عيد لـ«الأخبار». ويضيف عيد: «إنّ الاحتجاجات أثمرت رضوخ إدارة الشركة الكورية التي تدير المعمل لمطلب الأهالي، على خلفية أنّ من غير المقبول أن يكون المعمل قرب بيوتنا ونتضرر منه صحياً وبيئياً، ثم لا نستفيد منه بالحد الأدنى بالإنارة». غير أن هذه الاستفادة التي أتت بعد مفاوضاتٍ عسيرة واحتجاجات، تبدو بسيطة مقارنة بالأضرار المادية والمعنوية التي باتت «تُقلق الأهالي وتثير الكثير من مخاوفهم»، على حد تعبير عيد.
لكن رئيس البلدية يبدي ارتياحه «لبدء تشغيل إحدى محطتي المعمل على الغاز، لأنه أفضل بيئياً بحسب ما قالوا لنا، من استخدام الفيول الذي لا يزال يُستخدم لتشغيل المحطة الثانية في المعمل». وكانت وزارة الطاقة والمياه قد أعلنت خلال الشهر الماضي بدء تشغيل مجموعة في معمل دير عمار على الغاز بدلاً من الفيول للمرة الأولى، بعدما توافر شراؤه من مصر. وأعلن وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان في حينها أنه «بعد شهر أو شهر ونصف في حدٍّ أقصى يفترض أن يعمل دير عمار بكل طاقة مجموعتيه على الغاز، بما يوفّر على لبنان نحو 240 مليون دولار وفق أسعار النفط الحالية».
من جهة ثانية، يشير عيد إلى أن «أشجار اللوز التي تشتهر بها البلدة تعرضت لليباس في السنوات الأخيرة على نطاق واسع». ويردف عيد قائلاً: «إن ظاهرة يباس الأشجار بدأت بعد تشغيل المعمل، فهي لم تكن موجودة قبل أن يحطّ المعمل في بلدتنا». وأكثر من ذلك، أبلغ خبراء من وزارة الزراعة منذ بضعة أشهر عيد

تعرضت أشجار اللوز لليباس في السنوات الأخيرة على نطاق واسع
وأصحاب البساتين أنه «بعد إجرائهم كشفاً ميدانياً للبلدة، تبيّن أن نسبة تضرر أشجار اللوز في دير عمار هي الأعلى في لبنان!». ومع أن عيد أوضح أنّ خبراء وزارة الزراعة «لم يطلعونا على أسباب هذه الظاهرة المقلقة»، إلّا أن «تزامن الظاهرة مع تشغيل المعمل يجعلنا نصرّ على أن المعمل هو السبب». ولم يقتصر اليباس على أشجار اللوز، فقد امتدّ «إلى أشجار الليمون وبعض النباتات البرية والشتول. كذلك اختفت بعض أنواع الأزهار الطبيعية في السنوات الأخيرة». لكن، هل هي مشكلة يباس فقط؟ ينفي مدير مستوصف دير عمار الذي تشرف عليه البلدية، الدكتور حسن عيد، أن يكون اليباس هو المشكلة الوحيدة، لافتاً إلى «أن هناك مشاكل أكثر خطورة، منها انتشار أمراض السرطان بين أهالي البلدة، على نحو لم يكن معهوداً في السابق». وأضاف عيد أنه «إن كان لا دلائل علمية بحوزتنا على أن معمل الكهرباء وخطوط التوتر العالي يقفان وراء هذه الظواهر، فإن وجودهما في دير عمار بنسبة تزيد على ما هو موجود في البلدات المجاورة، يدفعنا إلى ترجيح هذا الاحتمال». ويوضح عيد أن معمل الكهرباء «تصدر عنه غازات غريبة يراها المواطنون بالعين المجردة. فعند تشغيل أحد محولاته تنطلق من مدخنته كمية من الدخان تحوّل لون السماء إلى اللون الأصفر، على نحو بدأ يثير قلقاً متزايداً بين الأهالي». وتخفيفاً للمخاطر البيئية، طلب أبناء البلدة المساعدة من جهات محلية وأجنبية في تركيب أجهزة رصد بيئي في البلدة لمعرفة أسباب الآثار الجانبية ليباس الأشجار، «غير أنّ التجاوب معنا كان معدوماً»، يؤكّد عيد. أمام هذا الواقع الذي يتعذّر معه نقل المعمل إلى مكانٍ آخر، لم يجد أهالي البلدة سوى مطالبة الجهات المعنية والدولة اللبنانية بمعالجة أضراره في البلدة «لأنه لا قدرة لنا على مواجهة أخطاره وحيدين».