يزداد انتشار آفة إدمان المخدرات في لبنان، وخاصة بين الشبّان والمراهقين، بينما تركّز قوى الأمن الداخلي على سبل مكافحتها. هنا بعض الآليات الهادفة إلى مكافحة «السموم القاتلة» ونقل لتصميم الدولة على معالجة المشكلة
محمد نزال
كان وجهها شاحباً والبقع الزرقاء تغطّي ذراعيها. ممدّدة على سرير بين الحياة والموت. على هذه الحال وجدت القوى الأمنية فتاة ذات 21 ربيعاً، قبل أيام، في أحد الشاليهات في الكسليك.
لم يكن هدف الدورية إيجاد الفتاة، كان أفرادها ينفّذون عملية الدهم بحثاً عن تاجر مخدّرات يستخدم المكان مخزناً للموادّ المخدّرة. الفتاة الجامعية من زبائنه، وقد اعتادت أخذ الهيرويين منه مقابل منحه جسدها.
القصة ليست فريدة، ولا هي طارئة، بل جزء «من ظاهرة تتفشّى يومياً بين الشباب، وللأسف حتى بين طلاب الجامعات والمدارس في لبنان، فهؤلاء يقعون ضحية تجّار مخدّرات يسرقون منهم أموالهم أو أجسادهم، ويقضون في نهاية المطاف على حياتهم»، هذا ما يؤكّده مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار». في الأسابيع الأخيرة، كثر الحديث عن انتشار آفة المخدرات في لبنان، تحدّث في الأمر مسؤولون رسميون وشخصيات سياسية وشعبية.
ما سبب رفع الصوت أخيراً بشأن هذه القضية؟ هل للأمر علاقة بارتفاع نسبة متعاطي المخدرات؟ أم لأن القضية أثيرت في العلن فقط؟ يؤكد المسؤول الأمني المتابع لموضوع مكافحة المخدرات أن السبب هو «ازدياد استهلاك المخدّرات، ولا سيّما عند فئة الشباب ما بين 16 و24 عاماً، في الجامعات والملاهي الليليّة والحانات، فضلاً عن بعض الحفلات التي يرتادها شباب من الإناث والذكور».
بعض المختصّين يرون في المخدّرات أسلحة دمار شامل، ويرى مسؤول في مكتب مكافحة المخدّرات في البقاع، أن هذه الموادّ تدمّر المجتمعات، وتفكّك الأُسر، وتقضي «على الأدمغة التي كان يمكنها أن تبني الأوطان. فعلها قبل ذلك الكولومبي بابلو إسكوبار، أحد أشهر تجّار المخدّرات في العالم، الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى إعلان حالة من الطوارئ الاجتماعية، بعدما استطاع إغراق المجتمع الأميركي بالكوكايين والهيرويين في سبعينيات القرن الماضي».
هل ستتمكّن الدولة في لبنان من التصدي لهذه الظاهرة؟ يجيب قائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى إجابة حازمة، ويقول: «نعم». تظهر على وجه يحيى ملامح الغضب من تفشّي الظاهرة، يحرّك يديه انفعالاً وهو يتحدث عن والد جاء إلى القوى الأمنية يشكو إدمان ولده «الذي بات على حفّة القبر». بصرامة يقول يحيى «نعد الشعب اللبناني، وبإصرار من معالي الوزير زياد بارود، الذي يتابع شخصياً الإجراءات الميدانية التي ننفّذها أثناء توقيف شبكات الاتجار بالمخدرات، بمكافحة هذه الآفة».
تُتلف في لبنان مساحات مزروعة بالقنّب الهندي (حشيشة الكيف) ونبتة الأفيون، باستمرار، في ظل غياب برامج زراعية بديلة. أثيرت المطالبة بها كثيراً في الماضي، ولكن دون جدوى.
بعيداً عن «الزراعة الوطنية» لحشيشة الكيف التي تُصدّر إلى الخارج، تدخل مادة الكوكايين المهرّبة إلى لبنان من أميركا الجنوبية، أما الهيرويين فيأتي من الشرق، وتحديداً من أفغانستان، التي تصدّر 90 في المئة من الهيرويين المنتشر في العالم.
قبل أيام، استطاعت وحدة الشرطة القضائية في لبنان كشف أسلوب جديد يعتمده المهرّبون، بعدما استخدمت «جهاز المخبرين» الذي يعمل على اختراق شبكات المخدّرات. أوقفت كمية كبيرة من الهيرويين كانت ممزوجة بنوع من «الشامبو»، وكمية أخرى من الكوكايين «مطبوخة بالجلد المصدّر إلى لبنان».
ضرورة إنشاء مصحّ أو أكثر في وزارة الصحة لمعالجة المدمنين «المرضى»
يشرح العميد يحيى الآليات التي يجب أن تعتمدها الدولة، بالتعاون مع هيئات المجتمع المدني، لمواجهة آفة المخدرات «التي تترافق عادةً مع السرقة والدعارة والاحتيال للحصول على المال بغية شراء المخدّر». في هذا الإطار، عُقد قبل مدة اجتماع ضمّ الوزير زياد بارود وممثلين عن وزارة العدل والشرطة القضائية (التي يتبع لها جهاز مكافحة المخدرات) والمنظمات والهيئات غير الحكومية. خلص المجتمعون إلى وضع خطة مواجهة شاملة، تبدأ بضرورة الإسراع في إنشاء المجلس الوطني لمكافحة المخدّرات، وتشجيع الوقاية والرعاية الطبية والاجتماعية، ووضع سياسة الحكومة في مجال مكافحة المخدرات وتحديدها وتطويرها، وضرورة إنشاء لجنة إدمان المخدّرات المقررة بالمادة رقم 199 من القانون رقم 98/673 التي تُنشَأ بقرار من وزير العدل وتضم: ممثلاً عن وزارة الشؤون الاجتماعية، وطبيباً من وزارة الصحة، وممثلاً عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـــــ مكتب المخدّرات، وقاضياً يمثّل السلطة القضائية. نتج من الاجتماع الاتفاق على ضرورة إنشاء مصحّ أو أكثر لمعالجة المدمنين «المرضى» في وزارة الصحة، إضافةً إلى إيجاد مركز تأهيل خاص للمدمنين في سجن رومية، الذي يضم آلاف السجناء.
أخيراً، رأى المجتمعون ضرورة التركيز على علاج الارتهان الجسدي لدى المدمنين، واقتفاء أثر الإدمان ومعالجته، إضافةً إلى وجوب التنسيق بين أجهزة المكافحة، ومنها الشرطة القضائية والأمن العام والجمارك. من اللافت في الفترة الأخيرة، تطوّر نظرة رجال الأمن في مقاربة موضوع المخدّرات، لناحية التمييز بين التجّار والمروّجين من جهة، والمدمنين من جهة ثانية. في هذا السياق أشار العميد يحيى إلى «أننا لم نطبّق حتّى الآن أحكام القانون 98/673 الذي ينظر إلى مدمن تعاطي المخدّرات كمريض بحاجة إلى عناية واهتمام، فهو إنسان له حقوق عديدة، ومنها حق العناية والتأهيل».
في المقابل، أصرّ يحيى على إبراز سيف العدالة إلى جانب الميزان، إذ إنه على «متعاطي المخدّرات أن يعلم أننا لن نتساهل في هذا المجال، وسوف نقوم بجميع الإجراءات القانونية، وبعد ذلك لكل حادث حديث».
قبل نحو أسبوع، تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن تفشّي ظاهرة المخدّرات، مشيراً إلى «محاولة لتدمير ثقافة المقاومة، من خلال موضوع عابر للمناطق والطوائف والأحزاب هو موضوع المخدّرات»، لافتاً إلى فرضية أن تكون إسرائيل وراء ذلك، وخاصةً مع «اختراع في البلد هو حبوب المخدّرات، التي دخلت إلى المدارس المتوسطة والجامعات، وهناك بعض من يعطون الشابّ أو الصبيّة حبوباً منها على أساس أنها حبوب حلويات، ويخلقون إدمانا بعد ذلك». في هذا السياق، علمت «الأخبار» أن اللجان الشعبية في الضاحية الجنوبية بدأت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية بإعداد لوائح عن أسماء تجّار المخدرات ومتعاطيها. إضافةً إلى ذلك، تعمل هذه اللجان على إنشاء مركز لتأهيل المدمنين ومعالجتهم في الضاحية، الذي سوف يبدأ عمله قريباً.
التنسيق بين حزب الله والقوى الأمنية في أعلى مستوياته في الضاحية، وخاصةً في موضوع المخدّرات، بحسب ما أكّد العميد يحيى لـ«الأخبار»، الذي أضاف «نسمع أصوات المسؤولين الوطنيين ورجال الدين المرتفعة المطالِبة بالتصدي لموجة تعاطي المخدرات وترويجها في المجتمع اللبناني بجميع فئاته مواكبةً لتطوّر التكنولوجيا». يختم يحيى «نسعى إلى دخول عالم آخر بالتغيير. ولو كانت النتائج خطرة».


قتله مزيج البودرة والهيرويين

توفي حسام قبل نحو أسبوع. أُلصقت أوراق نعيه على الجدران. سأل الناس عن السبب، فجاء جواب الأهل «خجولاً»... قالوا «راح ضحية حادث سير». لم يكن الجواب واقعياً، فحسام مات نتيجة تناوله جرعة هيرويين سامّة حقنها في شريان يده اليمنى. لم يكن الشاب العشريني يملك «كمية كافية من الهيرويين»، كما أنه لم يكن يملك مالاً لشراء «جرعته». كسر لمبة «فلوريسون» وأخذ منها البودرة البيضاء. خلطها بالهيرويين ووضع المزيج في ملعقة، رفعها فوق شمعة كان قد أضاءها بسبب انقطاع الكهرباء عن الحي الذي يسكن فيه. سحب المادة إلى الحقنة التي كان قد استعملها لمرات كثيرة، قبل أن يدسّها في دمه. هدأت أعصاب حسام «الهارب من واقعه الذي لم يكن يلبّي طموحاته» بحسب ما يروي صديق طفولته.
أهله اليوم يخجلون من إعلان موت ابنهم بسبب المخدّرات. يحملون في القلب حزنين، حزن على موته، وحزن على «تعاسة النهاية». غاب حسام عن المنزل 3 أيام، بحثوا عنه كثيراً، وجدوه أخيراً في شقّة يستخدمها أحد تجّار المخدرات في التوزيع على زبائنه. كان مستلقياً على السرير. بارد الجسد.