حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

اجتمع مسؤولو السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير. فكّروا في الجمود الذي يعتري الملف السياسي. درسوا حال اليأس التي يعيشها أبو مازن. خرجوا بفكرة عبقرية: «لنذهب إلى مجلس الأمن لإعلان الدولة». ونِعْمَ التفكير والقرارات. لم يسبق أحد مسؤولي السلطة إلى مثل هذه الإبداعات المناسبة جداً للالتهاء السياسي. التهاء له مبرراته، إذ إن هؤلاء المسؤولين وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين من التفاوض، لا لقاءات سياسية لتحقيق «الهدف الاستراتيجي» الذي وضعه أبو مازن والعرب، ولا مبادرات سلمية ناجعة من الإدارة الأميركية، الراعية الأساسية لعمليّة السلام، ولا لقاءات تصالحية مع «الخصم الداخلي». حال من البطالة السياسيّة، تضاف إليها الأزمة المالية التي تتخبط فيها السلطة، استدعت تحرّكاً من جهابذة منظّري منظمة التحرير.
تحرّك عبر فكرة إعلان الدولة في مجلس الأمن. ولكن على عكس ما كان يطرح في عام 1998، حين وصل مسار أوسلو إلى طريق مسدود في عهد الحكومة الأولى لبنيامين نتنياهو، ليس الأمر إعلاناً للدولة من جانب واحد، وهو ما يعطي للفكرة صفة الفراغ من المضمون. فالإجراء لا يمكن إلا أن يكون ملهاة لا طائل منها. ولا بد أن السلطة تعرف أن القرار في مجلس الأمن مختلف جداً عن القرار في الجمعية العامة: لا كتل عربية ولا أفريقية ولا عدم انحياز هناك. القرار بيد الدول الدائمة العضوية، والتي بالتأكيد لن تكون في صف الإجراء الفلسطيني. وإذا كان الفلسطينيون، وخصوصاً صائب عريقات، لا يصدقون، فليستمعوا إلى ما قاله المتحدثان باسم الخارجية الأميركية والفرنسية، إضافة إلى وزير الخارجية السويدي كارل بيلت والمنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، رغم أنه كان أوّل من طرح فكرة التوجه إلى مجلس الأمن، حتى قبل أن يفكر فيها الفلسطينيون.
رغم ذلك، لا يزال محمود عبّاس وصائب عريقات يتفاخران بأن ما تقوم به السلطة هو ردّ على التعنت الإسرائيلي، وأنه يحظى بغطاء عربي، وكأن العرب قوة عظمى على الساحة الدولية ولا رادّ لرغباتهم. المشكلة في ما إذا كان مسؤولو منظمة التحرير مقتنعين فعلاً بأن الإجراء الذي يعدّون له سيحظى بموافقة دولية.
والمشكلة الأكبر في ما إذا كان هؤلاء المسؤولون أنفسهم يدركون أن التوجه إلى مجلس الأمن سيكون عديم الجدوى، ما يعني أن السلطة وجدت ما تلتهي به، وتلهي به الشعب الفلسطيني، في فترة التجميد التفاوضي، بانتظار أن يحدث أي تغيير في مسار التسوية، سواء عبر الجهود الأميركية أو ما يتظهّر من المبادرة الفرنسية الجديدة التي ينوي الرئيس نيكولا ساركوزي الإعلان عنها قريباً.
الطامة الكبرى هي في اعتبار أن التوجه إلى مجلس الأمن هو أحد الخيارات التي بشّر بها محمود عبّاس في خطاب عزوفه عن الترشّح، على اعتبار أن هذه هي إحدى أوراق القوة في أيدي الفلسطينيين. إذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد أن إلغاء الفكرة من أساسها هو الخيار الأمثل، ولا سيما أن المسار معروف سلفاً. وإذا كان عبّاس فعلاً في طور البحث عن خطوات للرد على الجمود التفاوضي، فمن الأفضل البدء بدراسة إجراءات أخرى.
لماذا لا يُدرج إعلان الدولة من جانب واحد على طاولة البحث، من دون الحاجة إلى مجلس الأمن؟ أليس هذا أفضل من الدخول في متاهة إجراءات دولية لا فائدة منها إلا تقطيع الوقت؟ من المؤكد أنه أفضل، ولتكن عندها الإجراءات الإسرائيلية «الثأرية» التي توعّد بها نتنياهو ووزراؤه.
أما الخطوة التي قد تكون أنجع، إذا كان عبّاس وصل فعلاً إلى نقطة اللاعودة بيأسه، فقد تكون في اللجوء إلى حل السلطة من أساسها والعودة إلى نقطة الصفر. إجراء قد يكون صعباً على السلطة وموظفيها الكثر ورواتبهم، لكنه مثالي في الحال التي وصلت إليها الأمور في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما للإضاءة جدياً على واقع الاحتلال الذي اختفى تحت كمّ اللقاءات التفاوضية التي عقدها مسؤولو السلطة مع نظرائهم الإسرائيليين. لقاءات لم يكن محمود عبّاس يتذكّر خلالها أن هناك احتلالاً أو استيطاناً كما يفعل الآن. ربما يجدر به، عبر حلّ السلطة، أن يظهر للمجتمع الدولي أن السلطة ليست دولة، ولا حتى هيكل دولة، وأن وجودها لا يكون للتغطية على الواقع الاحتلالي.
أما المقاومة، فلن نكلف عبّاس عناء إعلانها، وهو الذي لم يقتنع بها يوماً، حتى في عزّ الثورة الفلسطينية والكفاح المسلّح. وما إعلان محمد دحلان عن التفكير بإطلاق مقاومة ضدّ الاستيطان إلا كلام للاستهلاك الإعلامي، وخصوصاً أننا جرّبنا مقاومته إبان قيادته للأمن الوقائي في غزّة: مقاومة المقاومة.