زينب مرعي«المسرح عالم شاسع يهذّب الروح والإنسان»، جرفها معه لتجول في الدول العربيّة، وفي شوارع فرنسا حيث رافقها طيف جبران أيضاً. «أقوال النبي» هي مسرحية مقتبسة عن كتاب «النبي» لجبران خليل جبران، مثّلتها مع فرقة فرنسية في شوارع باريس قبل نقلها إلى خشبات المسرح. قبل ذهابها عام 1968 لتجرّب حظّها في مسارح تونس وفرنسا، شاركت في «ثورة الفنانين» بين 1965 و1966. نضال وإضرابات حتى تحقيق النصر مع إعلان إنشاء فرع للمسرح والرسم والتصوير في الجامعة اللّبنانية. «كنّا مجموعة كبيرة من الفنانين آنذاك: أنطوان كرباج، ميشال نبعة، رضا خوري، أنطوان ملتقى، لطيفة ملتقى...». كان على نضال رينيه ديك أن يمتدّ إلى دائرة البيت أيضاً. عندما تسألها عن ردّة فعل أهلها حين أخبرتهم برغبتها في التمثيل، تجيبك: «يا تعتيري، جنّوا. الممثلة كانت بالنسبة إليهم لا تختلف عن أرتيست في كباريه»، ولم تستطع أن تحوز يوماً رضاهم الكامل.
هذه المرأة أمامك مزيج غريب من القوّة والأنوثة. تذكّرك بأنّ اجتماع الاثنين في المرأة لا يزيدانها إلاّ سحراً. تستغرب حين تخبرك عن خجلها الشديد لدى احتكاكها الأول بالممثلين. «في إحدى المرّات، طلب منّي الرسّام ميشال المير الذي كان أستاذي في مدرسة Sainte famille ـــــ جونيه، أن أزور محترفه في الأشرفية. هناك أخذ يعلّمني الرسم واستعمال الألوان. في أحد الأيام رفعت رأسي لأقول له إنّني لا أريد أن أرسم، بل أحب المسرح. لم يغضب منّي، بل دبّر لي موعداً مع منير أبو دبس، أنطوان كرباج ورضا خوري. وأنا جالسة بينهم لأول مرّة، نظرت إلى نفسي، وتنبّهت إلى صغر سنّي وجواربي الطويلة، فتآكلني الخجل. ركضت عندها إلى الباب وهربت. وبّخني بعدها ميشال المير على تصرّفي، ثم عاد وطلب من منير أبو دبس أن يتّصل بي ويدرّبني».
تخبر رينيه ديك القصّة كأنّها تعيشها من جديد. تتسارع دقّات قلبها وتتلعثم. تجلس كطائر غريب، بتنورتها الطويلة الملوّنة على المقعد الأخضر الذي اختارته لنجلس عليه في حديقة الجامعة اللّبنانية ـــــ الأميركية، حيث تعلّم المسرح منذ عام 1976. بعد سنوات العزّ، جاءت مرحلة الانكسار والانطواء والصمت. لكنّها لا تحب العودة إلى تلك المرحلة. والمرأة الستينيّة ترفض أيضاً، رفضاً قاطعاً، أن تتحدّث عن تلك الرينيه التي كانت مع مريم خيرو وميشلين ضو، من القلائل اللواتي قبلن آنذاك بعمل الـ«موديل» في الوسط التشكيلي اللّبناني. تتفادى العودة إلى زواج بسينمائي تونسي، عام 1969، لم يدم سوى أربع سنوات. «ليس حكم المجتمع ما يخيفني». ربّما، لكنّها اليوم باتت تدرك تأثيره، وما عاد لديها زخم الشباب لتجادل وتواجه.
تقول رينيه ديك إنّك لو سألتها في فترة ماضية عن عشقها الأول لأجابتك، هو المسرح. لكنها اليوم تفضّل أن توزّع الحبّ بالتساوي على كلّ «أولادها» فلا تفرّق بينهم، رغم الظلم الذي لحق بها، بإقصائها عن الأدوار الرئيسة التلفزيونيّة التي احتكرها بعض الممثلين في الثمانينيات. مع ذلك، تعدّد لك ديك كلّ أدوارها المسرحيّة بالترتيب الزمني، بينما تراها عاجزة عن تذكّر الأفلام التي حملتها إلى الشاشة الفضيّة. عليك أن تذكّرها بدورها في «حياة معلّقة» (1985)، و«كان يا مكان بيروت» (1994) مع جوسلين صعب، و«متحضّرات» (1998) و«طيارة من ورق» (2003) مع رندا الشهّال.
«Sorry، نسيت. عم بنسى». تعتذر رينيه ديك عن ذاكرتها التي لم تعنها على استرجاع كلّ أدوارها، وتبرّر «مضى وقت طويل منذ آخر مقابلة أجريتها». نسيها الإعلام كما نسيتها الدولة مع كلّ فناني جيلها. جرح رينيه ديك كبير، وخوفها أكبر منذ دخلت المستشفى لثمانية أشهر ولم يسأل عنها أحد. لم يعد يعلو صوتها إلاّ استثنائياً، عندما تتحدّث عن الرقابة. هم حاضرون لوضع العصيّ في دواليب الفنان، وللاختفاء عندما تبطئ دواليبه من عملها.


5 تواريخ

1943
الولادة في الجميزة ـــــ بيروت

1963
مثّلت أوّل أدوارها،
«امرأة من آرغوس»
من مسرحية «الذباب» لسارتر

1965
شاركت في الإضراب
من أجل افتتاح قسم المسرح
في الجامعة اللبنانيّة

1994
أسند إليها المخرج العراقي
جواد الأسدي، دور «المدام» في مسرحيّة
جان جينيه المعروفة «الخادمتان». في العام نفسه، وقفت أمام كاميرا جوسلين صعب ممثّلة في فيلم «كان يا مكان بيروت»

2009
كرّمها جواد الأسدي
في مسرح «بابل»