يصعب على الكثير من أهالي بلدات أرزون، الشعيتية وديركيفا الإجابة عن سؤال عن الفارق في واقع بلداتهم، قبل انفراط عقد مجالسها البلدية وبعده؟ السبب أن معظمهم لم يدرك فعلياً معنى العمل البلدي «لكي نستفقد غيابه أو غياب الرئيس أو الأعضاء الذين يقيم معظمهم خارج البلدة»، كما يقولون
صور ــ آمال خليل
لم تنعم قرى أرزون، الشعيتية وديركيفا طويلاً بنتائج الانتخابات البلدية التي جرت فيها عام 2004. فالمجلس البلدي لم يعمّر في الشعيتية أكثر من أسابيع معدودة، فيما احتفل في ديركيفا بعامه الأول، واستطاع في أرزون أن يحافظ على نصابه أربع سنوات.
تختلف الأسباب التي أدت إلى حلّ المجالس البلدية في هذه القرى، بعد استقالة أكثر من نصف أعضائها، باختلاف الراوي، فرداً كان أو عائلة أو حزباً. لكن المشترَك في هذه الروايات الرغبة في عدم فتح ملفات الماضي لأن هذه البلدات، برأي المتابعين، «تتهيأ جيداً للانتخابات المقبلة، مستفيدة من التجربة الفاشلة السابقة». وفي هذا السياق، يأتي امتناع الرؤساء والأعضاء المستقيلين عن التحدّث عن أسباب استقالاتهم وفشل تجربتهم في العمل البلدي، جزءاً من هذه التحضيرات.
أحد رؤساء البلديات المستقيلين، الذي رفض الكشف عن اسمه، طالب بعدم إثارة القضية في الإعلام «لأن الانتخابات على الأبواب، وليس من مصلحتنا إثارة المشاكل مجدداً خوفاً من تأثيرها السلبي على أصوات الناخبين والمفاوضات والتحالفات العائلية والحزبية الجارية».
ثمرة التعاون بين المختار والأمميين مولّدات كهربائية!
لكن عدم الحديث في الإعلام عن الموضوع، لا يعني أن الناس لا يعرفون تفاصيله. واستناداً إلى كلام بعض المواطنين، فإن البلدية «فرطت» بسبب خلافات بين الأعضاء الذين ينتمون إلى العائلتين الأكبر في البلدة، على الرغم من انضوائهم جميعاً في الحزب المهيمن فيها. أما سبب الخلاف، فهو «مصالح فردية، ونزاع على المحاصصة في المشاريع والمناصب إثر تعيين الرئيس الثاني للبلدية لولاية مدتها ثلاث سنوات». التوافق على الرئيس الثاني، الذي تبدّل لدى البعض، أدى إلى تطيير نصاب المجلس باستقالة عدد من أعضائه، ثم الرئيس، فطارت البلدية في آب 2008.
في ديركيفا، الشائع هو أن البلدية «طارت» على جناح الخلافات العائلية، مطعّمة بخلافات داخلية بين عناصر الحزب المسيطر في البلدة. أما في الشعيتية، فالمجلس البلدي لم يصمد إلا أسابيع، على الرغم من فوز أعضائه بالتزكية. ويتردّد أن المجلس الذي تألّف مناصفة بين الحزبين المسيطرين في البلدة، «فرط» لأن مسؤوليه تنازعوا على رئاسة الولاية الأولى، عندها استقال نصف الأعضاء المنتمين إلى أحد الحزبين وعُدّت البلدية محلولة بحسب القانون. إشارة إلى أن التاريخ أعاد نفسه في الشعيتية التي لم تقم لمجلسها قائمة بعيد انتخابات عام 1963 بسبب الخلافات العائلية على رئاسة المجلس، ويومها أقدمت وزارة الداخلية على حلّها بقرار وزاري، يقول متابعون.

الحلّ البديل

لكن مَن حلّ مكان المجلس البلدي؟ المختار أولاً، ثم القائمقام، وصولاً إلى قوات اليونيفيل.
في القانون، بناءً على المرسوم الاشتراعي الرقم 118 الصادر بتاريخ 30/ 6/ 1977 وتعديلاته في قانون البلديات، ولا سيما المادة الـ23 منه، يصبح قائمقام صور رئيساً للبلدية بالتكليف بعد استقالة مجلسها إلى حين إجراء انتخابات جديدة. وتحوّل وزارة المالية مستحقاتها إلى الصندوق البلدي المستقل الذي يديره القائمقام وأمينا السر والصندوق في القائمقامية. وبناءً على ذلك، فإن المشاريع والحاجات التي تتفق عليها اللجان الأهلية للبلدات ومخاتيرها، ترفع إلى القائمقام الذي يأمر بتنفيذها وصرف الأموال لها.
لكن لأن القائمقام يقيم في بيروت ويتردد يومين فقط على صور، على غرار معظم الرؤساء والأعضاء المستقيلين، تحوّل المختار عملياً إلى رئيس البلدية... بدعم من الوحدة العاملة ضمن اليونيفيل التي تقيم في البلدة، بالإضافة إلى بعض الرعاية من اتحاد بلديات قضاء صور.
تغيب هذه البلدات عن اجتماعات اتحاد بلديات صور
يؤكد مختار الشعيتية، حسين مسلماني، أن الناس «على الرغم من اعتيادهم منصب المختار، لكنهم يفضلون الاستظلال بمجلس بلدي لأنه أقدر وأعلى سلطة ويملك صلاحيات تتيح له تلبية مطالب البلدة وحاجاتها بدلاً من أن يلقى كامل الثقل على كتفي شخص واحد».
ولأن هذا الأمر غير متحقق، تستعين الشعيتية على قضاء حوائجها بالوحدة التركية العاملة في إطار قوات اليونيفيل، التي تقيم مركزها الرئيسي على أراضيها، وأحياناً، بالوحدة الإيطالية. ثمرة التعاون بين المختار والقوات الأممية تمثّلت بمولّد كهربائي للمدرسة الرسمية فيها وللبئر الارتوازية. أما الحاجات الحيوية للبلدة، المتراكمة منذ سنوات من صيانة للطرق والإنارة وتأهيل لجدران الدعم وإنشاء شبكة للصرف الصحي، فإنها «تركة ثقيلة متروكة للمجلس المرتقب... إذا صمد»، يقول مسلماني. من جهته، حصّل مختار بلدة ديركيفا خليل محمود، لبلدته مولّداً كهربائياً قدّمته الوحدة الفرنسية التي تقيم مقراً عسكرياً ضمن أراضيها.
تبقى أرزون، البلدة التي لا تعد أكثر من 900 نسمة، والتي لزمها «صيت الغنى» منذ الانتخابات النيابية الأخيرة. إذ يردّد أهالي القرى المجاورة شائعات مفادها «طارت البلدية، حطّ نواف الموسوي»، في إشارة إلى أن أحد أبنائها أصبح نائباً. «لم تعد تحتاج إلى بلدية ما دامت حصلت على نائب»، يقول أحد الأهالي. إلا أن الواقع مختلف بحسب المختار عبد اللطيف الحسيني، الذي يؤكد أن البلدة «لم تحصل فيها المعجزات منذ انتخاب الموسوي الذي لا يعدّ نفسه نائباً عن أرزون وحدها».
في رأي المختار، إن المجلس البلدي «لم ينجز مشاريع مهمة للبلدة خلال ولايته التي دامت لأربع سنوات، حفلت بالخلافات الضيقة التي لم تخدم المصلحة العامة. استقالة البلدية عزّزت عمل الهيئة الأهلية القائمة في البلدة برئاسة الحسيني منذ سنوات التي تعمل عمل البلدية بالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء صور ونواب المنطقة. وقد أثمر عمل الهيئة إنجاز مشروع جرّ مياه الشفة إلى البلدة، وتوفير خزانين للمياه وإنشاء أرصفة قدمتها الوحدة الإيطالية. أما مشروع إنشاء مستشفى حكومي في البلدة قدمته الهيئة، فما زال برسم المعنيين.

اتحاد البلديات

على الرغم من خسارة كل من أرزون والشعيتية وديركيفا المجلس البلدي، إلا أنها لم تنتقل إلى نادي قرى جناتا، النفاخية، وادي جيلو، الكنيسة، الضهيرة وبستيات، وهي قرى ممثلة بمختار واحد لكلّ منها، لكنها ملحقة ببلدية كبيرة مجاورة لها. وفي هذا الإطار لا يمكن عدم طرح السؤال عن دور اتحاد بلديات قضاء صور في رعاية هذ البلدات.
يردّد البعض عبارة «ما أحلى الرجوع إليه»، في إشارة إلى غياب هذه البلدات عن اجتماعات رؤساء بلديات القضاء الـ55، الذي يعقد أسبوعياً للتباحث في القضايا الإنمائية لكل بلدة. فالمخاتير لا يُدعَون إلى هذا الاجتماع، ولا يتمثّلون في لجان المتابعة والعمل المنبثقة منه (لجان البيئة والأشغال والصحة والتربية...).
ويقرّ رئيس الدائرة الإدارية في الاتحاد، مرتضى مهنا، بأن البلديات المنحلّة «لا تحظى بحجم الاهتمام والخدمات نفسها مثل البلدات الأخرى، إلا أننا نسعى لشملها بسياسة الإنماء المتوازن والجامع بين بلدات القضاء الـ58، بالإضافة إلى القرى الستّ التي لا تزال مختارية». ويوضح مهنا أنّ القائمقام يحيل بدوره المشاريع والمطالب المرفوعة إليه من جانب المخاتير إلى الاتحاد ليشارك في الإشراف عليها وتنفيذها عبر فريق عمله الإداري والفني والتقني». ويؤكد مهنا أن هذه البلدات «شُملت بعدد من مشاريع الاتحاد قبل حلّ مجالسها البلدية، مثل مشروع تأهيل جدران الدعم، تعبيد الطرقات بين البلدات وتنظيف الحفر الصحية ونقل نفاياتها وتدويرها في معمل عين بعال المزمع البدء بتشغيله قريباً».