علي السقاكانت الساعة قد قاربت الواحدة ظهراً وأنا أتقلب في فراشي. أنظر في الساعة الموضوعة على المنضدة الخشبية بجانبي التي تتوسط سريري وسريراً آخر أسود وعريضاً، هو لجدتي. أفكر في جدتي لبرهة من الوقت، ثم يحملني تفكيري إلى مكان آخر. ماذا عن أولئك الناس الذين أضحوا فجأة مهتمين لأمري، أو أصبحت أنا ضمن حيزهم الخاص؟ ولّد شعوراً مرعباً أمر حنوهم المباغت هذا. فأحدهم، الذي ألتقي به يومياً عند مدخل المبنى حيث أسكن، وألقي عليه التحية فلا يردّ إلا في ما ندر، أصبح اليوم إنساناً آخر. سلمت عليه وأنا أهم بشراء عبوة من المياه وإذا به يرد السلام مرفقاً بابتسامة عريضة ملأت ثغره. خيّل إلي أنّه يعوّض بعضاً مما فاته. حتى وأنا في طريقي لأركب سيارة أجرة تقلني إلى مكان عملي، مررت بوجوه أراها يومياً. لكن هذا اليوم كان مختلفاً، فقد أبت ثغورهم إلا أن تفرج عن ابتسامات واسعة.
الهاتف النقال لم يهدأ لنحو ساعتين. حتى إنّ أحد الجيران الذي بيته فوق بيتي في المبنى قرر عند اتصاله بي أن يعرفني بنفسه ممازحاً وبنبرة المعتذر قائلاً: «أنا يللي عوفتك حالك شهرين أنا وعم بشتغل ببيتي، مزبوط خالك جايي وزير؟ عنجد شي حلو جيراننا وزراء». لقد عرفته، فقد أمضيت شهرين في نوم غير مستقر جراء أصوات هدم الجدران وجلي البلاط التي كان يقوم بها. كذلك، أضطررت تحت المطر الى تفتيت ما تيبس من الإسمنت العالق ببلاط «السطيحة» لأنّه أدى إلى سدّ البلوعة. كان كلّ هذا الاهتمام لأنّهم اعتقدوا لوهلة أنني ابن أخت الوزير.
كان الأمر برمته تشابهاً في اسم المرشح الذي تولي منصب وزير الخارجية.
ما أسوأ ذلك الشعور الذي تملّكني وقتها. الناس يصبحون غيرهم في لحظات. لكنّي سأبقى أنا، كما عهدت نفسي. عندما أستيقظ صباح غد، سألقي التحية على جاري وأنتظره حتى يبادرني بمثلها. سأصعد إلى جاري الآخر وأطلب منه مواصلة أعمال الترميم. سأعبر وجوهاً بليدة، ناتئة بعيون كأنما خلقت لتكون مسكونة بالحيرة.
فما أجملنا حين نرفل بحقيقتنا، ولو كانت قبيحة!