فاقت شهرة لبنان في الاتجار غير الشرعي بالحيوانات في أعوام السلم الأهلي، شهرته في تجارة المخدّرات وتبييض الأموال إبّان الحرب الأهلية. وفيما يسعى اللبنانيون إلى أن يدخلوا كتاب غينيس للأرقام القياسية عبر أطباق ضخمة من الحمّص والتبّولة، فإنه كان بإمكانهم تحطيم الأرقام القياسية من باب إعادة تصدير حيوانات مهدّدة بالانقراض كالفهد الأفريقي، الذي يصدّر على أنه.. لبنانيّ المنشأ!
بسام القنطار
هل تعلمون أن لبنان صدّر منذ أشهر... فيلاً!! لو كان راوي الخبر ممن «يطيّرون فيولة» لأمكن الضحك، إلا أن الراوي ليس إلا الناشطة البيئية سومر دقدوق. مناسبة الكلام، ورشة عمل تدريبية افتُتحت أمس في فندق الكومودور في بيروت، بمبادرة من رابطة الناشطين المستقلين «إندي آكت» بالتعاون مع الصندوق الدولي للرفق بالحيوان، من أجل حث لبنان على الانضمام إلى «سايتس» أو اتفاقية «التجارة الدولية بالأنواع المهدّدة بالانقراض». لبنان إذاً ليس عضواً في الاتفاقية. الخبر ليس بجديد، فالاتفاقية التي تحمي أنواعاً من الحيوانات والنباتات البرية، والتي أبصرت النور عام 1975 (وهي معروفة عالمياً باسم سايتس) لم تكن تضمّ في ذلك الوقت سوى عدد من الدول في أفريقيا وأميركا الجنوبية، المصدر الأساسي للحيوانات، وبعض الدول المستوردة لها في أوروبا وأميركا الشمالية ودول من آسيا. اليوم بعد مرور 34 عاماً على هذه الاتفاقية، وصل عدد الدول الأعضاء فيها إلى 175 بلداً، لكن لبنان بقي والعراق، الدولتين العربيّتين الوحيدتين خارج الاتفاقية، إضافةً إلى 21 دولة أخرى في بقاع مختلفة من العالم.
موضوع الانضمام إلى الاتفاقية كانت «ملائكته حاضرة» أمس في الورشة. هكذا، شرح جوناثان برزدو، عضو أمانة سر «سايتس» لـ«الأخبار» هذه الاتفاقية، التي تنظّم تصدير وإعادة تصدير واستيراد الحيوانات والنباتات الحية والميتة وأجزائها ومشتقاتها، معتبراً أن لبنان يتأثر بهذه الاتفاقية لكونه ملزماً بتنظيم تجارته مع الدول الأعضاء فيها، من خلال نظام للأذونات وشهادات المنشأ التي تُصدَر بشروط معينة، ويجب تقديمها في منافذ الدخول والخروج الدولية.
وعلى هامش الورشة، تحدثت دقدوق (وهي أيضاً مسؤولة الملف في «إندي آكت») فأكّدت لـ «الأخبار» أنّ التجّار غير الشرعيّين يستفيدون من كون لبنان ليس عضواً في «سايتس»، ويستخدمون المعابر البرية والبحرية والجوية لإعادة تصدير عدد كبير من الحيوانات المهدّدة بالانقراض، بعد الاستحصال على شهادة.. منشأ تصدر عن وزارة الزراعة، التي تتولى تمثيل لبنان في هذه الاتفاقية، التي تتّخذ من جنيف مكتباً رئيسياً لها. أمّا كيف يصدر لبنان شهادات منشأ لحيوانات.. الغابة الأفريقية؟ فهو أمر علمه عند شريعة غاب الفساد اللبناني. وإلّا فكيف يمكن «تبييض» فيل أفريقي بحيث يخرج من المطار.. لبنانياً!
وتشير دقدوق إلى أن لدى الرابطة وثائق تُثبت أيضاً تصدير عشرة من صغار حيوانات الشيتا (بالعربية اسمه الفهد الصياد، وهو من أندر الأنواع في العالم) بعد الحصول على شهادات تثبت أنها ولدت في أماكن حجزها داخل لبنان! علماً انه لا توجد أيّ محميات أو متنزّهات قد يكون ولد فيها حيوان «الشيتا في لبنان».
ويدرج الشيتا إلى جانب 650 حيواناً آخر في ملحق الاتفاقية الأول. وتتعهد الدول الأعضاء منع الاتجار بالحيوانات المدرجة في هذا الملحق لأغراض ربحية، لقيمتها بالنسبة إلى دورة التنوع البيولوجي على الأقل، وعادةً يجري تهريب صغار الشيتا لاستخدامها "حيوانات رفقة" أو لتدريبها على الصيد، كما يجري تهريب جلودها لاستخدامها.. كتذكارات.
وكشفت دقدوق عن معلومات حصلت عليها الرابطة تؤكد وجود العديد من الحيوانات المهدّدة بالانقراض في منازل نواب ووزراء ومصرفيين لبنانيين، وفي حدائقهم، عدا وجودها بكثرة في حدائق الحيوانات، رغم عدم دخولها بطريقة شرعية.
وتلفت دقدوق إلى أن الاتفاقية وملاحقها ملزمة من الناحية القانونية، لذلك سوف تُطلق الرابطة دراسة وطنية عن أهمية

حيوانات مهدّدة بالانقراض في منازل نوّاب ومصرفيين لبنانيين وفي حدائقهم
دخول لبنان إلى هذه الاتفاقية، والمفاعيل القانونية لهذا الدخول، وخصوصاً لناحية الاتجار بالأعشاب الطبيّة، وتعديل قانون الصيد البري، وإصدار تشريعات جديدة لضمان حسن التطبيق.
المدير التنفيذي لرابطة «إندي آكت» وائل حميدان أكد أن «سايتس» لا تُعنى فقط بالرفق بالحيوانات المهدّدة بالانقراض، بل تؤثّر في الاقتصاد اللبناني. ومن الأمثلة التي يوردها، قضية سمك التونا ذي الزعانف الزرقاء، الذي يجري اصطياده بطريقة جائرة من أعالي البحر المتوسط، عبر أساطيل تجارية ضخمة لعدد من الدول الأفريقية والأوروبية. ومن المتوقع أن يُضَمّ إلى الملحق الأول في «سايتس» في الاجتماع المقبل للدول الأعضاء، الذي سيُعقد في الدوحة في آذار العام المقبل.
كما يشير حميدان إلى أن اليابان تضغط لمنع إدراج هذه السمكة في الملحق الأول، لكونها طبقاً أساسياً في المطبخ الياباني. ومن المؤسف أن الشاطئ اللبناني يعدّ موئلاً أساسياً لإباضة هذه السمكة، لكن لبنان لم يستفد من منتجها لأنه لا يملك أساطيلّ قادرة على اصطيادها، وهي سوف تنقرض قبل أن يتمكن اللبنانيين من الحصول على حقهم القانوني منها. ويضيف: «لو كان لبنان عضواً في الاتفاقية، لكان له الصوت المؤثّر في هذا الإطار القانوني العالمي لمنع الاتجار الدولي لأغراض ربحية في الأنواع المهددة بالانقراض، وخاصةً المدرجة في الملحق الأول، والتنظيم الفعال للتجارة الدولية للأنواع المدرجة في الملحق الثاني والثالث».
بدوره يشير عضو المجلس الأعلى للصيد البري منير أبو سعيد، إلى أن مشكلة الحيوانات التي يجري اصطيادها بطريقة جائرة داخل لبنان بغرض الاتجار بلحومها، هي أخطر من مشكلة الحيوانات، التي تعبر الحدود. ولفت أبو سعيد إلى أن مركز التعرف على الحياة البرية، الذي يديره في عاليه يتلقّى يومياً طلبات من السكان لمساعدتهم على التخلص من طيور جارحة جرى اصطيادها، وبقيت على قيد الحياة، إضافةً إلى حيوانات أخرى سلّمت إلى المركز، وآخرها شبل أسد عثرت عليه جميعة للرفق بالحيونات، لكنه مات في وقت لاحق نتيجة ضعف بنيته.