بعد إثارة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل أيام قضية المفقودين في إسرائيل، تأمل عائلاتهم بشارة قد تأتي من البيان الوزاري المرتقب، لعلّ الدولة تتحمل مسؤوليتها بإثارة القضية على الصعيدين الدولي باتجاه العدو الإسرائيلي الجاني، والمحلي باتجاه عملائه المتورطين
الجنوب ــ آمال خليل
في بلد المفقودون فيه بالآلاف، يقول الناس إن قضية الأسير المفقود في السجون الإسرائيلية عبد الله عليان لا تملك امتيازاً زائداً عن باقي القضايا. لكن القيمة المضافة لقضية عبد الله، حسب هؤلاء، هي قوة الدفع التي استجدت على القضية بعدما ورد اسمه على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه بمناسبة يوم الشهيد الذي احتفل به منذ أيام، كمثل حي على أن الحساب مع إسرائيل لم يقفل بإنجاز عملية التبادل الأخيرة بين الطرفين، حسب ما كان قد أعلن سابقاً. فالأم وأولادها الأحد عشر الذين شتتهم الاحتلال بين بلدتهم البياضة وصور وألمانيا، باتوا الآن أكثر يقيناً بأحقية قضيتهم وأملاً بالتقاط خيط ما لحقيقة مصيره. هكذا تؤكد ابنته سلوى أن «اسم والدي الآن يرن في آذان الإسرائيليين داخل الأراضي المحتلة وبين عملائهم المتورطين معهم في اختطافه وإخفائه مع الآلاف سواه إبان الاحتلال».
واستناداً إلى اهتمام الناس ووسائل الإعلام العالمية المستجد بآل عليان بعد خطاب نصر الله، بات ذوو المفقودين الآخرين يتمنون «لو يلفظ سيد المقاومة أسماء أبنائنا إذا كان هذا هو المفتاح لاستثارة الاهتمام تجاه قضيتنا».
إذاً، في قصة عبد الله عليان، تتقاطع آلاف القصص التي يتشابه مصيرها وحلولها في النهاية استناداً إلى تقرير لجنة هيئة تلقي الشكاوى، وخصوصاً لناحية تورط العملاء مباشرة ومعظمهم لا يزال حياً وطليقاً. أما قصة فقدان عليان فتخبرنا إياها زوجته نظمية البردان (63 عاماً): «في عام 1981 وشى قاسم عليان وهو عميل فار إلى الأراضي المحتلة منذ التحرير، بقريبه عبد الله، العنصر في الحرس الوطني في الجيش اللبناني، لأنه يدعم المقاومة الفلسطينية. فاقتاده العملاء لساعات في المرة الأولى إلى مركز التحقيق الإسرائيلي في موقع رأس البياضة. أما في المرة الثانية فقد خرج ولم يعد بعدما اقتيد إلى التحقيق بداية في مركز عيتا الشعب، ثم إلى سجن تل النحاس. بعد أسبوع علمت بمكانه عبر شخص حمل إلي طلباً منه بزيارته وتأمين حاجياته. وعلى مدى شهرين كنت أزوره أسبوعياً». وتشير إلى أن زوجها كان يطلب إليها عند كل زيارة «سؤال قاسم التوسط لدى الإسرائيليين للإفراج عني كما أكد القائد العسكري الإسرائيلي المسؤول زوهر». في زيارتها الأخيرة، لم تجد نظمية زوجها وزملاءه التسعة في الزنزانة. ولدى استفسارها عنهم من مسؤول السجن العميل بسام الحاصباني، أخبرها بأنهم نقلوا إلى داخل الأراضي المحتلة. طوال عام كامل، لاحقت نظمية العملاء الكبار في البلدة ومنهم قاسم، لمعرفة مصير زوجها من دون فائدة. وتستذكر ذهابها إلى مكان العثور على جثتين لرجلين اختطفا بالطريقة ذاتها وقتلهما العملاء ورموهما في بئر مهجورة في بلدة يارين، وبعدما عاينت الجثتين لم يكن من بينهما. ولأن العملاء بدأوا يضيقون عليها ويهددون أبناءها الصغار بضمهم إلى الخدمة الإجبارية في صفوفهم، اضطرت نظمية لأن تسكت عن حقها مؤقتاً «إلى حين يوم اندحارهم القريب». وهكذا كان، إذ اجتمعت العائلة على إعادة إثارة قضية اختفاء والدهم على نطاق أوسع، وخصوصاً إثر إنجاز عملية أسر الجنديين الإسرائيليين عام 2000 وطلب حزب الله إلى أهالي المفقودين تسجيل أسمائهم لديه. حسن الذي كان جنيناً عمره شهران في رحم أمه عند اختطاف والده، كان ولا يزال رأس الحربة في معركة العائلة من أجل استعادة ربها حياً أو ميتاً.

عليان سجين في الرملة ويستخدمه الإسرائيليون في زراعة الورد

تعتقد سلوى أن حزب الله لم يهتم بداية بقضية والدها كما يفعل الآن «لأنه اعتبره واحداً من بين آلاف المفقودين». الأمر اختلف عندما «كثفنا تحركاتنا في الإعلام وكلفنا المحامية مي الخنسا لمتابعة القضية قانونياً، وجمعنا قدراً وافراً من المعلومات التي وصلتنا من أسرى محررين وعملاء تؤكد وجود والدي داخل أحد السجون الإسرائيلية. ثم توّجنا هذا كله بإرسال خطاب إلى السيد نصر الله بما توافر لدينا وطالبناه بمؤازرتنا، وهو ما حصل قبل أيام».
إذاً، هناك لدى العائلة شواهد جديدة هي ربما التي أشار إليها السيد حسن في خطابه، تدعم يقينهم بأن عبد الله لا يزال حياً، بالإضافة إلى الوثيقة الرسمية الصادرة عن بعثة الصليب الأحمر الدولي في بيروت بتاريخ 25 أيلول من عام 2003 التي تؤكد أن مندوبيها زاروه مرات عدة في المدة بين 9 حزيران و28 تموز من عام 1981 أثناء احتجازه في سجن تل النحاس. في عام 1993، فقد حضر إلى البلدة ثلاثة أشخاص يسألون عن زوجة عبد الله عليان، فاستقبلهم أحد أبناء البلدة الذي وعدهم بنقل رسالة منهم إليها مفادها بأن «زوجك حي في سجن الرملة ويستخدمه الإسرائيليون عامل في زراعة الورد». إلا أن قاسم نفسه منعه آنذاك من إخبارها. أما قبل أشهر، فقد اتصل طارق ابن العميل قاسم بحسن وإخوته في ألمانيا طالباً فتح صفحة جديدة بين الأقرباء، وكشف لهم أن والده أخبره قبل عامين بأن عبد الله «نقل حياً إلى إسرائيل حيث لا يزال معتقلاً في سجونها». إلا أن غادة قاسم عليان التي عادت من الأراضي المحتلة قبل أشهر، لم تؤكد لسلوى عبد الله عليان معلومات أخيها طارق، بل طلبت الرأفة بوالدها العاجز والمريض الذي لا يزال فاراً في إسرائيل.
تتشارك عائلة عليان مع ذوي المفقودين الخوف من أن «يختفي» أبناؤهم من البيان الوزاري المنتظر أيضاً. فالبيان السابق الصادر مباشرة بعد عملية تبادل الأسرى الأخيرة أكد في الفقرة 35 منه «أن الحكومة اللبنانية ترى أن قضية المفقودين اللبنانيين هي قضية إنسانية ستوليها الاهتمام للكشف عن مصيرهم احتراماً». عدم تحديد فئتهم بدقة، أشاع ظناً بأن المقصود هم المفقودون في السجون السورية وأن الملف مع إسرائيل قد أقفل.