وساطة، روتين، رحلات ماراتونية بين مصلحة تسجيل السيارات وقصر العدل ومفرزة السير. تتردّد هذه العبارات عند تناول قصص مخالفي قوانين السير، الذين تُحجز آلياتهم. أما المسؤولون الأمنيون، فينفون الكلام عن التمييز بين المواطنين...
البقاع ــ نقولا أبورجيلي
«الله يبعدنا عن الحكمة والحكومة»، يقول وسام (اسم مستعار)، فقد أمضى 3 أيام متنقّلاً بين الدوائر الأمنية والقضائية والإدارية، لتنتهي جولته في نهاية المطاف في المرأب، الذي رُكنت فيه سيارته المرسيدس، بعد وقوعها تحت إجراءات الحجز من جانب رجال الأمن، وذلك لتأخّره عن دفع رسوم الميكانيك لعامين متتاليين. وسام «برّر» مخالفته بالقول «وضعي المادي كان سيئاً جداً، وإلّا لما تأخرت عن دفع الميكانيك».
رحلة وسام بدأت في قصر عدل زحلة، دفع الغرامة المالية في قلم محكمة جزاء زحله، ثم توجّه إلى مركز مفرزة السير، ظنّ أن الأمور انتهت، وأصبح بإمكانه تسلّم سيارته... لكن أحد رجال قوى الأمن قال له بضرورة دفع رسوم الميكانيك المتأخّرة في النافعة.
ذهب وسام إلى مركز النافعة، ولكنه خرج خالي الوفاض، إذ قال له الموظفون بضرورة الانتظار يوماً آخر، ريثما تُردّ أوراق سيارته مع محضر الضبط المنظّم بحقه من مفرزة السير.
لم يكن وسام في وارد التخلي عن السيارة ليوم إضافي، فهو يحتاج إليها للانتقال إلى عمله، اختار الاستعانة بـ«خبرات أحد معقّبي المعاملات»، الذي نصحه باللجوء إلى «الوساطة التي أثبتت جدواها في حالات مماثلة»، وذلك من خلال التوسّط لدى «مسؤولين أمنيّين لتظبيط» الوضع، وفك حجز سيارته بعد إبراز الوصل المالي، الذي سدّد بموجبه قيمة الغرامة، ليخصّص بعض الوقت لعملية إتمام المعاملات الباقية.
سعيد. ش وقع بين مطرقة صاحب معرض لبيع السيارات وسندان قوانين السير. اشترى سيارة حديثة الصنع ذات دفع رباعي من أحد المعارض في زحلة، وذلك بموجب وكالة لدى الكاتب بالعدل، ثم عرضها على ميكانيكي متخصص، فتبيّن أن حديد هيكلها مصاب باهتراء، فقرر سعيد إعادة السيارة إلى صاحب المعرض. خلال توجّهه إلى المعرض استوقفته دورية تابعة لمفرزة السير، وعمل رجالها على حجز السيارة مع بيانها الجمركي، فهي بلا لوحة، وقد تبيّن أن صاحب المعرض لم يستحصل على رخصة من مصلحة السيارات في وزارة الداخلية، تمكّنه من وضع «لوحة تجربة» على سيارات المعرض.
أمضى سعيد أربعة أيام متنقّلاً بين دائرة وأخرى لإتمام معاملاته، أما صاحب المعرض، فقد لجأ إلى زعيم سياسي، توسّط له لدى مسؤول أمني رفيع لحل هذه «المعضلة»... وكان للزعيم وتاجر السيارات ما أرادا، وفق ما روى لـ«الأخبار» مقرّبون من صاحب المعرض.
يسهل الالتقاء بأشخاص يتحدّثون عن اللجوء إلى الوساطة لتخليص السيارات المخالفة «بلمح البصر»، ولكنّ مسؤولاً أمنياً نفى في حديث مع «الأخبار» الكلام «عن استنسابيّة في هذا الشأن، الجميع تحت سقف القانون، وإن حصلت بعض الاستثناءات فإن ذلك يجري بحسب وضعية السيارة المخالفة، بعد أن يدفع صاحبها قيمة الغرامة في محكمة الجزاء، على أن يستكمل باقي الإجراءات في فترة قصيرة».
في هذا الإطار، شدّد المسؤول على أن المركبات التي تتسبّب بوقوع ضحايا من قتلى وجرحى وأضرار مادية جسيمة، لا يمكن فكّ حجزها إلّا بناءً على موافقة القضاء المختصّ.
هل يمكن تسهيل أمور المخالفين ليسوّوا أوضاعهم في وقت قصير؟ المسؤول قال إن ذلك كان ممكناً في فترات سابقة، وذلك بموجب مستند يصدره القاضي المنفرد، يسمح للمخالف بفك حجز سيارته فور دفع الغرامة، «إلّا أن تهرّب الكثيرين من متابعة تسوية أوضاعهم بطريقة قانونية، دفع بالقضاء إلى إلغاء هذا الإجراء».


سيارات في المزاد

تُطرح في المزاد العلني كلّ مركبة مخالفة لقوانين السير، بعد مرور أكثر من عام على احتجازها، وذلك عملاً بالمرسوم رقم 780 الصادر في 26\3\1971.
يجري التذكير بالمرسوم من خلال تعميم قرارات ومذكّرات تصدر عن وزارة الداخلية، والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. أمّا المستحقات المالية المتراكمة، المفترض دفعها إلى أصحاب المرائب الخاصة، كبدلات أجرة ركن السيارات المحجوزة لفترة طويلة، فإن ذلك يجري بعد بيعها بالمزاد العلني، بحيث تقتطع المحكمة المعنية هذه المبالغ وتدفعها إلى مستحقّيها. خلال جولة على عدد من المرائب الخاصة، وتلك التابعة للمراكز الأمنية، تبيّن أن أعداداً كبيرة من السيارات المحجوزة أصبحت غير صالحة للسير، نتيجة تعرّضها لحرارة الشمس، والأمطار لفصول عديدة.