Strong>حسن شقرانيكراتشي عام 1954: كان قد مضى على عمل عدنان القصّار التجاري بين باكستان ولبنان أربع سنوات، حين شعر بأن الوقت قد حان لتحقيق قفزة نوعيّة. في ذلك اليوم المشمس، التقى وفد رجال أعمال من الصين. وبعد جلسات نقاش مثمرة، تلقّى القصّار دعوة إلى بكين من عمالقة آسيا، الجدد حينذاك. كان الهدف خلق علاقات تبادل مع لبنان الذي يرفض محيطه التعاطي مع الدولة الشيوعيّة. هكذا، أصبح القصّار اللبناني الأوّل، بل العربي الأول، الذي يقيم علاقات مع بكين. أقنع رئيس الجمهوريّة حينذاك، كميل شمعون، بدعوة الوفد الصيني الأوّل إلى لبنان. على أثر تلك الزيارة، وقّع البلدان أوّل اتفاق تجاري بينهما ورفرف العلم الأحمر بالنجمة الخماسيّة للمرّة الأولى أيضاً في لبنان... لذلك يقال عن عدنان القصار إنّه «الشابّ الذي حمل التنين إلى بلاد العرب العذراء».
لم يكن الحظ وحده هو الذي قاد عدنان القصّار إلى الجمهوريّة الشعبيّة. الرؤية الحكيمة تخوّل صاحبها أن يكون لاعباً رئيسياً في المكان والزمان المناسبين. هل كان من الممكن لشخص آخر أن يتلاعب بالإحداثيّات على نحو مختلف ويحصل على النتيجة نفسها؟ من يعرف؟ المؤكّد أن الإنجاز لم ينته هنا. في عام 1972، ترأس القصّار الوفد الأوّل لرجال أعمال لبنانيّين إلى الصين، ناثراً بذور علاقات دبلوماسيّة ستترسّخ في ما بعد بفضل جهوده، وإصراره على تعبيد الطريق في هذا الإطار. ذلك الإصرار تُلطِّفه مرونةٌ لافتة طبعت شخصيّة الرجل الذي تمرّس في آليات دخول عالم التجارة، واشتغل دائماً على إعادة استثمار النتائج ليكون الحصاد مميّزاً، فيأتي على مستوى الجهود المبذولة.
الاقتصادي المتميّز الذي تحوّل إلى مصرفي لامع فوزير محدّث، كان قد بدأ مشواره بتواضع حين كان في الـ 19 من عمره. مكتب تجاري صغير جهّزه له والده في عام 1949 في مبنى القصّار. تلك القاعدة كانت كافية لإطلاق مشروع تجاري طموح، كرّس له في البداية «نصف دوام» فقط، إذ كان يمضي وقته الباقي في مدارج «جامعة القدّيس يوسف» حيث درس الحقوق.
وبعد تحوّله إلى «صديق الصين وشعبها»، بادر القصّار إلى مدّ الجسور بين بكين والعواصم العربيّة. ويوماً بعد آخر أخذ يضيف إلى رصيده إنجازات جديدة، عابراً المحطات المختلفة في مسيرته التي اتسعت لتشمل عوالم مختلفة، متكاملة أحياناً، متباعدة في أحيان أخرى من التجارة والمال إلى العمل الاجتماعي والسياسة. تتابعت النجاحات لترسم صورة عمّا يمكن أن يفعله الرجل الطموح. في عام 1971، خاض القصّار انتخابات غرفة التجارة والصناعة على رأس لائحة سمّيت «الإنماء الاقتصادي». فاز في المعركة، واحتل موقعه هذا حتّى عام 2006، بعدما حقّق الكثير خلال فترة إدارته لهذا الصرح الاقتصادي. إنجازاته لناحية الاهتمام بمقوّمات القطاع الخاص وتماهيها مع المصلحة العامّة أدّت إلى تسمية الغرفة «بيت الاقتصاد اللبناني». علاقاته المتينة حول العالم وطبعه المتعاون، أدّيا إلى تبوّئه رئاسة مجلس إدارة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في البلدان العربيّة لمدّة عامين. رئاسة تكرّرت في عام 2007، بعدما احتلّ منصب النائب الدائم لرئيس مجلس الإدارة.
على الصعيد العربي، سعى القصّار إلى تمتين التعاون بين شعوب لغة الضاد، اقتصادياً بالحدّ الأدنى. جذبه العمل العربي المشترك وبلورة الأفكار والطروحات التي تدعم التكتّل والتكامل الاقتصادي العربي. وعلى رأس تلك الأفكار طبعاً كان إنشاء منطقة التجارة الحرّة العربيّة الكبرى، الذي كان شاهداً حيّاً على العثرات التي اعترضتها طوال عقود من الزمن.
جهوده في هذا الإطار كوفئت من الدولة التي قدّمت له قطعة أرض بنى فيها «مبنى عدنان القصّار للاقتصاد العربي». وقد تكفّل شخصياً بكل تكاليف البناء والتجهيز التي ناهزت 15 مليون دولار. وكان قبل ذلك قد حظي بشرف ترؤّس غرفة التجارة الدوليّة في عام 1999، لمدّة عامين. كانت تلك المرّة الأولى التي يتبوّأ فيها رجل أعمال عربي هذا المنصب. قاد خلال تلك الفترة وفوداً رفيعة المستوى من الغرفة إلى عدد من الدول. كذلك عرض إمكانات هذه الغرفة وخبراتها لتطوير عمل القطاع الخاص، ومساندة جهود الإصلاح والتحرّر التجاري والاقتصادي.
الحرب اللبنانيّة لم تؤثّر على جهود عدنان القصّار. ظلّ في طليعة روّاد القطاع الخاص. سافر وجال عندما وجد لذلك الأمر أهميّةً. هدفه كان تأكيد إنجازاته السابقة وطابعها الحيادي البعيد عن تجاذبات كثيرة اختلفت أشكالها، غير أنّ خامها واحد.
صموده في الحرب وإصراره على المضي قدماً وتطوير الأعمال نوعياً، أنجحا مسيرته في مصرف «فرنسبنك». هذه المؤسّسة الماليّة التي يملكها هو وأخوه عادل منذ عام 1980، وأصبحت من بين أكثر قصص عالم المصارف نجاحاً في لبنان.
ابن القاضي ـــــ السفير ـــــ الأستاذ، والعائلة المتوسّطة الدخل، لم يرخ شراعه عند هذا المدى. طاردته في كلّ لحظة صور الطموح الأوّل، همسات بيروت التي شبّ فيها قبل أن يحصل لبنان على استقلاله. وفي عام 2004، عُيّن وزيراً للاقتصاد والتجارة. فترته الوزاريّة كانت قصيرة، إلا أنّ برنامجه كان يتضمن أولويّات تدعم الاقتصاد الوطني، انطلاقاً من خبرته الطويلة والمعقّدة في عالم المال والأعمال الذي أبحر فيه من الصين مروراً بآسيا الوسطى فالوطن العربي فأوروبا فقارّة كولومبوس. وهو لم ينسَ فيها كوبا. إذ كان صاحب جميل لها عندما خرق الحصار المفروض عليها وأصرّ على القيام بعمليات تجارية لمساعدتها.
وحالياً، يعود عدنان القصّار إلى الحكومة رجلاً توافقياً بامتياز، طاقة كبيرة يمكن أن تُسهم في ترميم ما انكسر بين اللبنانيين.


5 تواريخ

1930
الولادة في كنف عائلة بيروتيّة من الطبقة الوسطى

1949
بدأ العمل في مكتب تجاري صغير في مبنى القصّار

1980
تملّك مجموعة «فرنسبنك» مع شقيقه عادل القصار

1999
ترأس غرفة التجارة الدوليّة ليكون العربي الأوّل في هذا المنصب

2009
عُيّن وزير دولة في الحكومة الحالية، وكان قد تولّى وزارة الاقتصاد والتجارة في عام 2004