رنا حايكفي أول اجتماع لمجلس قيادة الثورة بعد نكسة 1967، صرخ جمال عبد الناصر: «آي!»، فتسابق المجتمعون لسؤاله:»خير، ما لك يا ريّس؟»، فردّ مطمئناً: «ما فيش حاجة، غزة وراحت...». لم تحمل تلك النكتة التي شاعت في مصر بعد فاجعة 67 أي شماتة أو استخفاف بالواقع، كما أنها لم تصدر عن مواطنين غير مسيّسين، بل عن أشخاص بذلوا دماً أجل قضية العرب المحورية: فلسطين. كل ما في الأمر أنه شعب «كان فطس من زمان لولا قدرته على تحويل الفجائع إلى نكات» كما تقول الصديقة المصرية. اليوم، بعد سنوات طويلة من سياسات القمع والتجهيل التي مورست على الشعب المصري، انطفأت النكات. بالتأكيد، سيعجز «شباب وسط البلد»، الذين استطاعوا النفاد من الاستلاب المسيطر على مجتمعهم، عن إطلاق نكتة عن الجدار الفولاذي. حارب هؤلاء على جبهات كثيرة، ليس أولها الفقر الذي يتخبطون فيه بسبب تمنعهم عن الالتحاق بركب المنتفعين من النظام، وليس آخرها مدّ المزاج الديني الذي استفحل في مجتمعاتهم. لهؤلاء صوت ولو أن موجات البث الإذاعي التي يملكها متمولون قريبون من السلطة أو حريصون على مصالحهم الليبرالية وعلى اعتدالهم لا تلتقطه. لهؤلاء صوت لا يزال يُسمع في زواريب طلعت حرب، في قهوة «AFTER 8»، أو على ترابيزة في النادي اليوناني. هؤلاء يرفضون الفولاذ، ولا يزالون يحرجون حكومتهم كلما زار أحد تجمعاتهم السفير الإسرائيلي وطردوه.