ملاك خالدأستعير من إميل زولا عنوان رسالته الأشهر «إني أتهم»، لأخطو فوق كل الحسابات السياسية والإقليمية والدينية. إنها الطريقة الأكثر تهذيباً في رفض هذا العالم البالغ الحقارة.
إني أتهم: الصهيونية العالمية بمصادرة تاريخ وحقوق وحياة شعب كامل يتلو بعض أبنائه اسم بلادهم صلاة يومهم والغد «فلسطين». وإليهم، أتّهم الأنظمة العربية جميعها بكل ما وصفهم مظفّر النوّاب به من نعوت، بالعمالة للأنظمة الغربية، هم الذين أضاعوا أوطاناً وسلّموها على أطباق جاهزة للاحتلالات.
إني أتهم: فتح وحماس وكل الفصائل، بالتواطؤ لضياع فلسطين. أعدموا كل الأشجار واستنفذوا أسلحتهم بعضهم في وجوه بعض. هم وكل من سوّلت له نفسه أن يقنع أيّ آخر بأن ثمة خلاصاً جماعياً يعتق المرء من توقه لخلاصات فردية صغيرة. فقد علمتني الحياة أن الخلاص الجماعي الكبير هو تراكم لخلاصاتنا الفردية، وأنه حتى الآن، لا أحد مستعداً فعلاً للتضحية بسجائره لينقذ روحاً.
إني اتهم: مصر وكل من تسوّل له نفسه بأن يروّج لأكذوبة «الأمن القومي» بحفر قبور لأهل غزة ولاجئيها. وأعجب بقدرة نظام كهذا على إفقار وتجويع وتركيع 80 مليون مواطن، فثمة ثورة أرادتهم عرباً أحراراً بينما يريد بعضهم اليوم وبإصرار أن يكون فرعونياً مكروهاً. وفي السياق ذاته، إني أتهم الأزهر بأنه ما عاد شريفاً ولا عاد جامعاً ولا جامعة.
إني أتهم: الموت بأنه انتقائي ومخادع. يأخذ منا صفوة مثقفين ومتنورين ومناضلين، رؤيتهم واضحة كالطلقة، ويترك لنا غوغاء تتشدّق بكلام ممجوج، تبثه على فضائيات مستأجرة ومأجورة، وأعجب بقدرة الموت على أن يضرب مجدداً، حيث لا نتوقع. فنفقد مع الوحدة ومشاعر الأخوّة (التي نحتاج إليها اليوم بشدة) شرايين توحّد دمنا النازف بكثرة.