وفيق قانصوهمساء الثلاثاء الماضي غادر حسين حويلي موظف السنترال في الزميلة «الحياة»، مقر عمله، كعادته في التاسعة ليلاً. آخر ما فعله الشاب الدمث كان الاتصال بوحيده علي. «تقبرني يا بابا... عشر دقائق وأكون عندك». وبالفعل، قبر علي، في اليوم التالي، والده بعدما صدمته سيارة مجهولة مسرعة على جسر فؤاد شهاب لم يتوقف صاحبها للملمة أشلاء حسين وأشلاء عائلته التي فقدت معيلها الوحيد.
كان حسين، ولا يزال عشرات من صغار الموظفين غيره في «جنة» الداون تاون، على موعد يومي مع الموت توفيراً لـ2500 ليرة. على المسالك المؤدية من وسط البلد إلى منطقة خندق الغميق، تدور مساء كل يوم لعبة روليت روسية بين هؤلاء وآلاف السيارات العابرة بسرعة جنونية. هناك، في خندق الغميق، يركن فقراء وسط البلد سياراتهم المتهالكة مجاناً، وذلك منذ أن تحولت مهنة «الفاليه باركينغ» إلى «بيزنس» تديره مافيا من المتنفذين تسيطر على مواقف السيارات في الداون تاون وتحجزها لمصلحة كبار القوم.
بقي حسين أكثر من ربع ساعة مرمياً بين السيارات العابرة. سيارات العين الساهرة الأميركية ذات الأضواء الملونة التي «يجغّل» بها سائقوها ويطلقون أبواقها إزعاجاً في أغلب الأحيان لم يصدف (ولا يصدف) أن مرت أي منها من هناك، علها تحاول إنقاذه أو تلمح سائق السيارة الجانية الذي لم يُعرف بعد.
مقتل حسين جريمة والمسؤول عنها عقلية التطبيق «الموسمي» للنظام. «تحمى» الدولة وأجهزتها في «هبّات» تطبيق القانون، ثم تدخل في غيبوبة. هل من لا يزال يتذكر حملة حزام الأمان؟ أين أصبحت ملاحقة الدراجات النارية المخالفة وهل يكفي أن يعتمر سائقوها الخوذة وأن تكون أوراقهم سليمة ولا بأس بعد ذلك إن مشوا عكس السير او تجاوزوا الإشارات الضوئية؟ هل منكم من أوقفته دورية أو عسكري يوماً لتجاوزه السرعة القانونية؟ (بالمناسبة من يعرف كم هي هذه السرعة؟). متى رأى أحد منكم آخر مرة حاجزاً طياراً مع أجهزة قياس السرعة على أوتوسترادات الموت العبثي؟ هل رأى أحد منكم يوماً عسكرياً أوقف سائقاً يناغي طفله في أحضانه فيما هو يقود سيارته؟
لو كان على جسر فؤاد شهاب جسر للمشاة أو لو توافرت لحسين حويلي وسيلة نقل عام من منزله في خلدة إلى مقر عمله، لكان اليوم في مكتبه في «الحياة» لا في قبره في روضة الشهيدين.