لا ترضي هدايا «بابا نويل» جميع من يتلقّاها. ولذلك، يرفق الكثيرون هداياهم بهدية إضافية متمثّلة بعبارة: فيكن تبدّلو إذا ما عجبكم. لكن، لا أحد يقول إنّ الهدية لم تعجبه، بل يسوّق مبرّرات أخرى تحفظ «ماء وجه» الهادي والمُهدى إليه، لكن في النهاية النتيجة واحدة: حركة في سوق جونية عوّضت عن قلّة بركة أصابت الشهر ما قبل الأعياد
ريتا بولس شهوان
فُرجت أخيراً على تجار سوق جونية، بعدما خابت آمالهم بالحركة البطيئة والمشرذمة في شهر كانون الأول المنصرم، المفروض أنه شهر أعياد. أخيراً، ها هم المتسوّقون، رجال، نساء، أطفال، يركضون خلف أهاليهم كأنّ بابا نويل لم يزرهم بعد. انطلق موسم البيع هذا الأسبوع. أو هذا أقلّه ما تظهره حركة المارّة في الشارع الرئيسي. تركن إحدى السيدات سيارتها في الموقف المخصص لزوّار المحالّ التجارية. تفتح صندوق السيارة لتُخرج كيس ملابس. ثم تبدأ جولتها: تتنقّل بين واجهات المحال. يبدو أنها تدقّق في موضة الثياب النسائية لهذا العام. تسأل عن سعر هذه الكنزة السوداء، ذاك الفستان، بدون شراء أيّ شيء. تدخل أحد المحالّ. تُخرج من الكيس فستاناً وتسأل البائعة «فيني إبدلو؟!» السيدة لم تأتِ إذاً للتسوّق، بل لاستبدال هدية زوجها «البلا طعمة» على حدّ تعبيرها، بكنزة، ولو دفعت مبلغاً إضافياً. وهكذا كان. المشهد يتكرر في كل مكان، حسب الباعة، والحركة هي فعلياً مجرد حركة «تبديل» هدايا، تمتد بين رأس السنة وما بعد عيد الغطاس بقليل، وفق ما قالته لـ«الأخبار» بائعة في محل ألبسة نسائية. وقد تتعدّد أسباب تبديل الملابس، إلا أن الحجّة الرئيسية التي لا تجرح مَن أهدى، هي القول إنّ «مقاسها زغير أو كبير» كما تقول البائعة. تلتفت ريمي، إحدى النساء اللواتي كنّ موجودات في المحل، إلى البائعة وقد بدت على وجهها الدهشة لسماعها ما قالته، ثم تقول ضاحكة: «كنت مفكرة ما حدا غيري بيعمل هالشي، إنو القياس زغير أو كبير»، لكونه مستحيلاً أن تقول عند تسلّم الهدية «هديتك والله مش عاجبتني». هكذا، أصبحت، كما استطردت تخبرنا، تنتظر إلى ما بعد العيد للبدل «عَ السكّيت». ثم تقهقه فجأةً، لتذكّرها كما قالت، ردّ فعل حماتها، في عيد الميلاد المنصرم، على الهدية التي جلبتها لها. فقد ظنّت ريمي أنها تذرّعها بأن لديها حساسية على النايلون سوف يكون طريقة لطيفة لتبرير استبدال الهدية، إلّا أن الحماة... انفجرت غضباً، واصفةً كنّتها بـ«النكدة» التي «لا يعجبها العجب»، مستطردةً إلى وصف ابنها «بعزاها» بأنه «مش رجال». فالتقاليد اللبنانية تفرض على متلقّي هدية ما، قبولها مهما كانت، والابتسام عند التسلّم إشارة احترام. وكل ما يناقض ذلك إهانة للمرسل، ولو كانت الهدية مجرد «سطل لبن» كما تقول البائعة. لكن، مهما كان الرأي في موضوع استبدال الهدايا، فإنّ النتيجة واحدة: مردود إضافي يعود على الباعة نتيجة التبديل. يؤكد أحد أصحاب المحالّ هذا الكلام قائلاً إن «المدخول يرتفع لأن من يبدّل إلى أفضل يدفع أكثر في غالبية الأحيان». كلامه صحيح. بدليل أنه يكرّس وقته لإقناع سيدة ذات خصر كالنحلة، باستبدال هديتها بملابس فضفاضة لمجرد أنها أغلى ثمناً. ورغم أن حيلته تنكشف أمام الزبائن مراراً، فإنه يصرّ على تكرار خطته مع زبائن جدد. لعلها الطريقة الوحيدة لبيع ما بقي، وهو كثير، من بضاعة العيد بسعر مرتفع قبل أن يبدأ موسم التنزيلات.
الحركة هي فعلياً مجرد «تبديل» هدايا تمتد بين رأس السنة وعيد الغطاس
كما للملابس، كذلك للأدوات المنزلية الكهربائية حصّتها. هدية شفيق لهذا العام «تلفزيون ماركته غير معروفة». برغم نقاوة الصورة، وقدرته على حفظ مئة محطة فضائية، والكفالة «شبه الأبدية»، فضّل الأخير دفع مئة دولار إضافية على الدخول في «مغامرة الاحتفاظ بتلفزيون مش معروف قرعة بيو من وين» على حد قوله. يستغرب صاحب المحل. محاولاً إقناعه بجودة تلك النوعية. لكنّ شفيق أبى إلا دفع مئة دولار عدّاً ونقداً. دايفيد أيضاً، لم تُعجبه هدية العائلة لعيد الميلاد. فاستبدل صحن الدش، بكاميرا تصوير. فعيد ميلاد صديقته ليس ببعيد، «هيك العيلة وفّرت عليّ 300 دولار»، يقول ضاحكاً. أما إميلي، البائعة في محل ألبسة للرجال، فهي تجد من ناحيتها النهار طويلاً جداً. ربما كان السبب أنه برغم حركة المتسوقين داخل المحلّ وخارجه فإنّ معظم الرجال يرفضون دفع «قرش» إضافي عند البدل!. لا يخجل بعض الرجال من طلب تبديل الهدية بالمال عداً ونقداً. هكذا تراهم يبحثون طويلاً بين ربطات العنق، أو القمصان «الأرخص» بحيث لا يتجاوز السعر سعر الهدية الأساسي، حين يرفض أن تعاد إليهم النقود. تضحك إميلي عند دخول «زبونة» أتت لتستبدل ملابس لزوجها، وتوشوشنا «شوفي الفرق هلق. المرا مش رح تسأل على السعر». وحتى الدواء، الذي اختارته إحدى السيدات هدية ميلاد لأختها ذات الوضع الصعب، لم يسلم من البدل! فقد اشترت لها «مونة عام كامل من دواء القلب والسكري»، ظنّاً منها «أن بعض الراحة الجسدية هدية ممتازة. فما نفع الثياب، وجسد أختي مريض؟». لكن أخطات الأخت في اسم أحد الأدوية، وجرى عليه ما جرى على باقي هدايا العيد، البدل.
هكذا، تبيّن أن بابا نويل لم يُرضِ 50 في المئة من متلقّي هدايا العيد. ويشير تقرير على موقع إلكتروني فرنسي، إلى أن شخصاً من ثلاثة أشخاص يقبل هديته، أما الباقي، فيعرض ما حصل عليه، عيدية الميلاد، في «سوق الإنترنت»، وهو موقع إلكتروني يسهّل عملية بيع أغراض مستعملة وشرائها وحتى شحنها من بلد إلى آخر. لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى اللبنانيين. فهم ما اعتادوا عرض هداياهم للبيع ضمن مواقع إلكترونية كموقع «مزاد أونلاين». ووفق هشام أرز، مسؤول في هذا الموقع المختص عن تسهيل خدمة الشراء والبيع بين مستهلك وآخر، لم يعرض أيّ من اللبنانيين أغراضه «أونلاين». والسبب؟ «يفضّل الناس تبديل هداياهم على الطريقة التقليدية، لانعدام الثقة والعلاقة بين الناس والكمبيوتر». يأمل هشام أن يتحسن الموسم في عيد الميلاد المقبل.