سأشهد على طيبة الشعب المصري• لم أستطع تمثيل سياسة بوش
• منعنا عن غزة لا يعني أننا لن نعود

قاسم س. قاسم
بعد استقالتها المدوّية من وزارة خارجية بلادها عام 2003 عشية الحرب على العراق، أصبحت الكولونيل الأميركية، آن رايت، من أبرز مناهضي الحروب. واليوم هي، على الأرجح، على متن طائرة عائدة إلى بلادها بعدما حاولت العبور ضمن «مسيرة غزة نحو الحرية» إلى القطاع المحاصر

بعد رسالة الاستقالة التي توجهت بها إلى وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول، تحوّلت إلى مناهضة الحروب. اليوم فشلت بالدخول إلى القطاع. كيف تفسرين السلوك المصري الرسمي وما هي خطواتكم التالية؟
- وصلنا القاهرة في 27 كانون الأول، حيث بقينا في فنادقنا بانتظار وصول باقي المشاركين في المسيرة. بعد مرور أربعة أيام أصرّت السلطات المصرية على منعنا كمجموعة كاملة من دخول غزة. أما الأسباب فهي كما قالوا لنا: الخوف من عدم قدرة الأمن المصري على ضبط الحدود لو أُدخلنا دفعة واحدة! لذلك، سمحوا بعبور ستين شخصاً من المسيرة إلى داخل القطاع المحاصر. أما من بقي منا في القاهرة فشاركوا في تنظيم الاعتصامات، والمساعدة على توقيع العرائض من أجل الضغط على السلطات المصرية للسماح للبقية بالدخول. لكنني أعتقد أن السبب الرئيسي لمنعنا من العبور هو الضغوط التي تتعرض لها مصر من جانب الدول الكبرى ومن إسرائيل والولايات المتحدة، وخصوصاً بعدما أحضرنا جميع الوثائق التي طلبها الأمن المصري. أما أكثر ما شجعنا على الاستمرار بتحركاتنا فهو التعاطف الذي أبداه تجاهنا الشعب المصري.

كما هو معروف وورد في رسالة استقالتك، أن أحد الأسباب الرئيسية لتلك الاستقالة من منصبك في وزارة الخارجية الأميركية هو غياب الحل السياسي على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الشرق الأوسط. لكن بعد 35 عاماً خدمت فيها الإدارة الأميركية نجدك اليوم تشاركين في مسيرة غزة نحو الحرية، كيف تبدلت وجهة نظرك تجاه الصراع القائم في الشرق الأوسط؟
لم أكن مطلعة كفاية على الصراع في الشرق الأوسط
- كنت دبلوماسية (عسكرية) وأمثل سياسة بلادي في الخارج، إلا أنني لم أكن على اطلاع واسع على حيثيات الصراع في الشرق الأوسط. فأنا عملت في أفغانستان وسيراليون، والصومال، كما ساهمت بافتتاح سفارة بلادي في أفغانستان. لكن قبل هجوم الولايات المتحدة الأميركية على العراق، وجدت أنني لا أستطيع أن أقبل أو أتحدث بما تمثله سياسة بوش، ولا يمكنني أن أمثل إدارته في الخارج، لأن تصرفاتها تخالف قناعاتي. وما كان يجري في فلسطين والصراع الدائر مع الإسرائيليين وعدم اقتناعي بسياسة بوش تجاه هذه الأزمة كانت سبباً آخر دفعني إلى تقديم استقالتي، لأعمل على محاربة تلك السياسة ورفضاً للحرب على العراق، والتركيز أكثر على معاناة الشعب الفلسطيني من أجل تحريك المسار السلمي في فلسطين.

بالعودة إلى «مسيرة غزة نحو الحرية»، وبعد قيامكم باعتصامات أمام السفارات الأجنبية في القاهرة، والإضراب عن الطعام الذي قام به بعض الناشطين، عرضت السلطات المصرية عليكم إدخال 100 ناشط من أصل 1300 إلى القطاع. كيف عشتم هذه المساومة، وخصوصاً أنه كان من المفترض أن تكونوا في القطاع في 31 كانون الأول؟
ضغطت إسرائيل والولايات المتحدة على مصر لمنعنا من العبور
- شعرنا بإحباط بسبب عدم السماح للمسيرة بالدخول بكامل أفرادها إلى القطاع، والأسباب التي رددها الأمن المصري لم تكن مقنعة. وكانت الاعتصامات التي قمنا بها أمام سفارات بلادنا (أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة) من أجل الضغط على حكوماتنا لتضغط بدورها على مصر من أجل السماح لنا بالعبور. وفي 31 كانون الأول مثلاً اعتصم 300 فرنسي أمام سفارة بلادهم، وأضرب بعض المشاركين وسيدة ناجية من المحرقة النازية (الهولوكوست) عن الطعام. وبرغم علمنا بنية المصريين عدم السماح لنا بالمرور، إلا أننا قررنا القيام بتحركاتنا على الأراضي المصرية، وأمام الشعب المصري، فبعضنا يوزّع ملصقات على المارة في ميادين القاهرة.
وفي مجمل الأحوال لا أعتقد أننا سندخل قطاع غزة هذه المرة، وخصوصاً أن أغلب المشاركين عائدون إلى بلادهم في 3 كانون الثاني، (الموعد الذي أعلنته السلطات المصرية لفتح معبر رفح)، وأنا واحدة منهم. لكنني أعد بأنني سأعود في شهر شباط أو آذار على رأس مجموعة أخرى من المشاركين لكن بأعداد أقل، حينها لن نسبب أي إشكال للأمن المصري على الحدود كما قالوا وربما سيسمحون لنا بالعبور.

بصفتك عقيداً متقاعداً من الجيش الأميركي، وبعد مشاهدتك الحرب الإسرائيلية على غزة، كيف تفسرين الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بالقطاع؟
- لا يمكن تفسير الدمار الذي خلّفه الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وخصوصاً من جهة استهدافه المدارس والبنى التحتية الأساسية للقطاع مثل المستشفيات وحتى مزارع تربية الحيوانات... لم أجد أي تفسير لعملية التدمير التي اتبعها الجيش الإسرائيلي في القطاع.

بعد عودتك إلى الولايات المتحدة، ماذا ستنقلين من تجربتك لأصدقائك؟ هل هناك أي نوع من التظاهرات والتحركات داخل الولايات المتحدة لدعم تحركاتكم في مصر؟
- عند عودتي للولايات المتحدة سأروي ما حدث معي في مصر، وكيف منعت من دخول غزة، لكن عودتنا إلى ديارنا وعدم دخولنا القطاع لا يعنيان أننا لن نعود مجدداً. سأنقل ما رأيته من طيبة الشعب المصري. وأعرف أن أغلب المشاركين سيعودون إلى ديارهم متأسفين على منعهم من دخول القطاع، وخصوصاً بعد المسافة التي قطعوها من أجل ذلك. أما بالنسبة للنشاطات والاعتصامات فإننا عند عودتنا سنقوم بعدد من التحركات لشرح ما جرى معنا في مصر، على أمل العودة في الشهر المقبل.


اعتقال أمام البيت الأبيض