البقاع ــ أسامة القادريبات مجرد التلفّظ بعبارة الأوتوستراد العربي كافياً لفتح شهية أهالي جديتا في البقاع الأوسط، للحديث عن الظلم الذي ألحقه بهم المشروع. فالأوتوستراد يجزئ حي «عين الوردة» الواقع في الجهة الغربية للبلدة ويهدد منازل نحو 15 أسرة بالتشريد، نظراً لضآلة التعويض.
يقتنص السكان أي مناسبة لشرح قضيتهم فيستغربون آلية عمل قانون الاستملاكات. وتستوقفهم الطريقة التي اعتمدتها لجنة التخمين المكلفة من مجلس الإنماء والإعمار، لجهة الوقت الطويل الفاصل بين الكشف على المنازل (عام 2001) وتاريخ الدفع المتوقع نهاية 2010، مع العلم أن أسعار العقارات ارتفعت منذ التخمين ارتفاعاً جنونياً. وبالتالي، فهم أمام خيارين: إمّا أن ينتظروا ريثما تتدنى أسعار مواد البناء، ويكتفوا بالتعويض، وإمّا أن يجدوا لأنفسهم حلاً سكنياً آخر لا يبدو أنه موجود.
مع ذلك، يسارع الأهالي للتأكيد على أنّ اعتراضهم ليس على الأوتوستراد، بل على ما لحق بهم من غبن مادي.
في هذا الإطار، يشرح ناجي مسعود بإسهاب الآلية التي اعتمدت للتعويض على الأملاك. يقول الرجل بقلق: «عندي 220 متر بناء، جاءت لجنة الكشف عام 2001 لتعاين المنزل، فقدرت القيمة الإجمالية للمتر الواحد بـ150 دولاراً أميركياً، وذلك على أساس أسعار مواد البناء آنذاك، ولم يقر الرقم إلا عام 2003». يقارن مسعود بين القيمة التي حددتها الدولة آنذاك وأسعار مواد البناء حالياً، فيجد أنّ المعادلة خاسرة: «تضاعفت الأسعار ثلاث مرات، فطنّ الحديد مثلاً ارتفع من 240 دولاراً أميركياً إلى 640 دولاراً». لا ينسى الرجل أيضاً ارتفاع تكاليف اليد العاملة وأجرة النقل وأسعار الإسمنت والرمل والبحص.
«ناويين يهجرونا من بيوتنا، اللي بدن يدفعوه حق بيت ما بيعمر غرفتين»، بهذه الكلمات تختصر الحاجة خديجة الزغبي هواجسها، معترضة على تخمين التعويض، بموجب سندات خزينة مؤجلة تستحق في 22 كانون الأول 2010، على أن يبقى 25% قيمتها الإجمالية إلى ما بعد إخلاء المنزل. وتنفي الزغبي أن يكون التعويض كافياً لشراء أرض والبناء عليها في الوقت نفسه. وتقول بغضب: «حرام عليهم، الشغلة مش تجارة وشطارة»، وتتوعد بأنّها لن تترك منزلها حتى تأخذ حقوقها على «آخر بارة ولو بدن يهدموا بيوتنا على روسنا».
لكن الاعتراض ليس على تخمين المنشآت السكنية فحسب، بل أيضاً على تثمين الأراضي. هنا، يستهجن خضر فرحات الفارق الكبير في التسعير، وخصوصاً في المنطقة الغربية من جديتا، كونها «مصنفة سياحياً»، ويبرز وثيقة تشير إلى تسعير المتر الواحد بـ27 ألف ليرة، ويسأل: «هل هذا معقول وثمن المتر الواحد اليوم وصل إلى 150 ألف ليرة!». ثم يعرض الرجل مشكلته مع قانون الاستملاك الذي يفرض عليه الربع المجاني، أي استملاك الدولة له، من أصل مساحة العقار. ويلفت إلى أنّ عدداً كبيراً من الأهالي لم يقبضوا سندات بقيمة عقاراتهم لأنّ هذه العقارات مشتركة بين الوارثين، «ومن الصعب حلها بسبب وفاة بعضهم وسفر البعض الآخر. فضاع حقنا بين حانا ومانا». ويشير فرحات إلى عدم قبول مجلس الإنماء والإعمار بحصر الإرث الشرعي «يريدونه مدنياً والمدني كلفته عالية كتير وما إلنا قدرة عليه».


رفض الربع المجاني

رفعت بلدية جديتا مذكرات عدة تشرح فيها أنّ الأوتوستراد العربي المزمع تنفيذه يعمل على تشويه البلدة المصنفة سياحية. وقدمت البلدية مجموعة طلبات تدعو فيها إلى رفع الغبن عن أصحاب الوحدات السكنية، والأراضي وتسهيل إنجاز المعاملات، وعدم إجبار الأهالي على دفع الربع المجاني كونه لا تنطبق عليه الشروط الإلزامية لدفعه.
أما الأهالي فقد طالبوا رئيسي الجمهورية والحكومة، بالالتفاتة إلى حالهم عبر إعادة النظر في تخمين أسعار الكلفة للوحدات السكنية والأراضي، على أسعار اليوم رأفة بهم من التشرد، وأن يعفيهم من الربع المجاني كون الأتوستراد العربي مقفلاً لا تستفيد منه العقارات الواقعة على جانبيه، بل يقسمها من دون نفع.