قصّة ابريق الزيت إلى الواجهة مجدداً: «انقسام الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم»، الجهاز الذي يضمّ أكبر تجمّع لمنظمات ونواد لبنانية في بلاد الاغتراب فشل للمرة الألف في توحيد نفسه، برعاية حكومية ورئاسية، في ظل توقع انفجار الأزمة داخل مجلس الوزراء
بسّام القنطار
بدت الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، المعترف بها رسمياً من جانب وزارة الخارجية والمغتربين، مكبّلة وغير قادرة على تجديد نفسها عبر الانتخاب الديموقراطي والقانوني.
الجامعة التي افتتحت أعمال مؤتمرها الثالث عشر، أمس في قصر الأونيسكو،

برئاسة أحمد ناصر، قررت تأجيل انتخاباتها بناءً على كتاب موجّه من المدير العام للمغتربين هيثم جمعة. الكتاب الذي صدر في ١٦ الجاري دعا المجتمعين إلى أن يكون اجتماعهم تشاورياً، وأن لا تتخلله أي أعمال انتخابية إفساحاً في المجال أمام لجنة دراسة أوضاع الجامعة الثقافية في العالم التي يرأسها السفير السابق لطيف أبو الحسن، ويرعى عملها رئيس الجمهورية ميشال سليمان «للوصول الى تصور توافقي لموضوع الجامعة»، وذلك بحسب كتاب جمعة.
مضمون الكتاب يظهر أن وزارة الخارجية والمغتربين حريصة على موضوع توحيد الجامعة المنقسمة على نفسها منذ سنوات طويلة. في المقابل، لا يعكس الأداء الوزاري والحكومي عموماً الحرص نفسه. فمشاركة كل من وزير السياحة فادي عبود، والثقافة سليم وردة، في حفل إزاحة الستار عن نصب «المغترب اللبناني» في مدينة بريزبن الأوسترالية، بدعوة من الجناح الثاني للجامعة كرّس اعترافاً ضمنياً بشرعية هذا الجناج الذي انتخب عيد الشدراوي خلفاً لرئيسه السابق إيلي حاكمة أوائل العام الجاري.
المدير العام للمغتربين هيثم جمعة أكد في حديث لـ«الأخبار» أن وزير الخارجية والمغتربين علي الشامي سجّل تحفّظه على قرار مجلس الوزراء السماح للوزيرين عبود ووردة بالمشاركة في جولة أوستراليا، مشيراً إلى أن هذا الأمر أدى إلى لغط كبير داخل مجلس الوزراء.
وكشف جمعة أن الوزارة بصدد رفع تقرير مفصّل عن نتائج اللجنة التي كلفها رئيس الجمهورية دراسة وضع الجامعة الثقافية والعمل على توحيدها، وذلك من أجل اتخاذ القرار المناسب على المستوى الحكومي. وأكد جمعة أن تمنّي الوزارة على الجامعة الرسمية الشرعية عدم إجراء انتخابات هو محاولة أخيرة من أجل لمّ الشمل والوصول الى صيغة توحّد الجامعة من جديد، وتعكس الجو التوافقي الداخلي على الواقع الاغترابي اللبناني.
في المقابل، لا يخفي الرئيس الحالي أحمد ناصر توجّسه من مناورة الفريق الثاني وهروبه من الوحدة، مدعوماً بغطاء طائفي واضح. وأكد ناصر أنه ليس متمسكاً بالمنصب، لكنه لن يقبل أن يسلّم الرئاسة الى من استجلب الوصاية الأجنبية على لبنان، ومن يضمّ في صفوفه أشخاصاً تعاونوا مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويلفت ناصر إلى أنه تعامل بإيجابية كبيرة مع اللجنة التي عملت على إعادة اللحمة الى الجسم الاغترابي بتوجيهات من رئيس الجمهورية والمسؤولين، وقد توصلت هذه اللجنة الى إنجاز اتفاق بعقد مؤتمر موحد في بيروت تحت اسم «المؤتمر التأسيسي الثاني الموحّد للجامعة الثقافية اللبنانية في العالم»، على أن يتّفق الطرفان على الهيئة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر، وتكون مهمتها إعداد نظام جديد للجامعة ودراسة أوضاع فروعها وتوحّدها والدعوة إلى عقد مؤتمر جديد بعد سنتين وفق النظام الجديد، على أن ينعقد هذا المؤتمر برئاسة موحّدة لكلا الجناحين، وأن يدعو كل فريق أعضاءه الى المشاركة في المؤتمر، ودعوة الرسميين والإعلاميين باسم الرئاسة الموحّدة.
يضيف ناصر: «فشلت مساعي التوافق على تسمية هيئة جديدة تطرح على المؤتمر التأسيسي لكي يصار إلى انتخابها بالإجماع، ونحن بناءً على طلب رئيس اللجنة السفير لطيف أبو الحسن وافقنا على متابعة التفاوض ضمن مهلة أقصاها نهاية شهر آذار ٢٠١٠. في المقابل، نقض الفريق الثاني هذا الاتفاق وعقد مؤتمراً وانتخب رئيساً جديداً في انتهاك واضح للاتفاق، ورغم تبليغ السفير أبو الحسن الفريق الآخر رسميّاً عدم قبول اللجنة بهذا الانتخاب، نجدهم يصولون ويجولون ويتلقّون كل الدعم من وزراء وشخصيات سياسية، في تجاوز واضح لرغبة فخامة الرئيس بلمّ الشمل».
«الأخبار» سعت الى الوقوف على رأي الجناح الآخر عبر ممثله في لبنان طوني قديسي، لكن هاتفه كان مقفلاً. إلا أن الموقع الإلكتروني للجناح المذكور يوضح حقيقة موقفه من موضوع الوحدة. ففي رأي هذا الفريق أن وزارة الخارجية والمغتربين تسعى إلى ضرب المؤسسة الاغترابية في إطار سياسة واضحة الأهداف والمرامي تصبّ في خانة شلّ الجهود الاغترابية التي كان لها اليد الطولى في الوصول إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1559 الذي رفع الوصاية السورية عن لبنان، والذي يستمر العمل الحثيث لتنفيذ باقي بنوده. ويلفت الموقع الى أن الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وهي منظمة دولية غير حكومية، تستمد شرعيتها من قانونها الأساسي والتفاف المغتربين حولها.
إلا أن ما لا يقوله الموقع الرسمي يعبّر عنه بوضوح الكولونيل السابق في جيش لبنان الجنوبي شربل بركات، الذي يشغل منصب مستشار المجلس العالمي لثورة الأرز لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب. يرى بركات في مقال نشر له على موقع «اللبنانيون في إسرائيل» أن وزارة الخارجية اللبنانية، وحتى بعد ثورة الأرز وما جرى في بيروت من تغييرات، لا تزال على حالها، فوزارة الخارجيّة هي ممثل لبقايا الإدارة السورية للدبلوماسية اللبنانية، ولم تزل الخطط بالنسبة إلى التحرك الخارجي نفسها، وبالتالي موضوع إعادة ضرب الجامعة ومحاولة تنفيس وهجها وضبط عملها وإعادتها إلى الفولكلورية المعهودة».


إحباط أميركي

اللافت في المؤتمر الذي عقد أمس، أن غالبية المشاركين بدوا محبطين من تأجيل عملية الانتخاب، وخصوصاً أن كثيرين كانوا يرغبون في إعلان ترشيح أنفسهم لمنصب الرئاسة، ومن بينهم المغترب اللبناني ألبير متى. رئيس وفد أميركا الشمالية إلى المؤتمر عاطف عيد قال لـ«الأخبار»: إن ٢٢ مغترباً تركوا عائلاتهم وتكبّدوا نفقات السفر من أميركا لكي يجددوا العملية الديموقراطية في الجامعة، وها نحن مجدداً أمام عملية تسويف وتأجيل في مخالفة للقانون الداخلي للمجلس. وأكد عيد أن فريقه، الذي وقف بوجه كل الضغوط، محبط مما يجري، وذلك سيؤدي الى المزيد من الانقسام في الجسم الاغترابي».