اعتصم أهالي الجميزة، لساعتين من الزمن أمس، عند أسفل درج الفنّ، مطالبين بإعادة النوم إلى حيّهم. لا يحلمون بالكثير. فقط بضع ساعاتٍ من الاسترخاء من دون «رجّ وهزّ»
راجانا حمية
ذات يوم، حمل أهالي الجميزة وساداتهم وخرجوا إلى الشارع العام يطلبون النوم. كان الوقت يقترب من الفجر، حين جافاهم النوم بسبب ضجيج الساهرين في الحانات والملاهي الليلية التي تسكن حيّهم. حينها، ظنوا أن خروجهم بوساداتهم سيحلّ أزمة نومٍ عالقة بينهم وبين زائري حيّهم. لكن، مضى ذلك اليوم منذ أشهرٍ كثيرة، وحلّ أمس مكانه ولا يزال الوضع على ما هو عليه: «سكّيرون» لا يشعرون أبداً بالنعاس ولا يتركون أحداً يشعر به.
النوم. بات هذا الشعار أقصى أمنيات أهالي الجميزة الذين خرجوا أمس إلى الشارع ليطالبوا بإعادة الليل إلى حالته الطبيعية. إلى السكون الذي يفتقدونه منذ تحول حيهم من حيّ سكن «إلى حيّ سكر». 124 مؤسسة سياحية تؤرق ليل الجميزة. تحوّل سكونه إلى صخبٍ مؤلم لا طاقة للأهالي على تحمله. شعور مقزز دفعهم إلى الاعتصام عند درج الفن وقطع الطريق لساعة من الزمن.. وهو المقطوع باستمرار بسيارات زوار الفجر. أمس، نزلوا إلى الشارع منذرين للمرة الأخيرة وزارتي السياحة والداخلية: إما النوم وإما اتخاذ قرار قد لا يكون مناسباً أبداً.
فتح مرأب شارل حلو لن ينفع إذا لم تحوّل الجمّيزة إلى حيّ للمشاة
السابعة مساء، بدأ الأهالي بالتوافد إلى الدرج، حاملين شعاراتهم التي خطّها كل واحد منهم. شيئاً فشيئاً، يمتلئ مكان الاعتصام، فيما السيارة التي تحمل مكبر الصوت تذرع الحي جيئة وذهاباً، داعية «الواقفين على البلكونات إلى النزول». السابعة والنصف، يصبح العدد مناسباً للاعتصام. يتجمّعون حول «عمّو جو»، وهو أحد المنظّمين للحملة، في محاولةٍ للاتفاق على شكل التحرّك. يكتفي جو (جو كيروز) بإعلامهم أنه اعتصام سلمي لدعوة الوزارتين إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة الهدوء. لكن، كيف السبيل؟ يجيب جو: «بإلغاء المواقف الخصوصية في المنطقة وفتح مرأب شارل حلو». إذاً، «بلاه الفاليه»، تقول اللافتة المزروعة فوق الرؤوس، فالحل موجود «صف سيارتك بشارل حلو وتمشّى». لكن، هل الحل سهل إلى هذه الدرجة؟ لم يجب أحد عن هذا السؤال، بانتظار حضور وزير السياحة.
في الوقت بدل الضائع الذي يفصل الأهالي عن حضور الوزير، انشغل أصحاب المنازل التي تقع مباشرة فوق الحانات باستعادة بعض القصص التي عاشوها. تقول ماري كرم للواقفة إلى جانبها: «تصوري إنّو جيراننا المرة الماضية، هرّ عليهم السقف من الرج»، مضيفة: «كانوا ماتوا يا حرام لو الخبطة قوية». أخرى تشكو همّها لجارتها: «لا نستطيع النوم، فليسهروا ولكن على الخفيف». لئن كان النوم هو الهاجس الأول في الجميزة، لكنه ليس الوحيد، ثمة أزمات أخرى منها، «إبر المخدرات المرمية على الطرقات والممارسات اللاأخلاقية للساهرين»، يقول عبد الله شمعون. لم تعد أزمة نومٍ إذاً. هي أزمة «سهر وسكر» وساهرون حوّلوا الحيّ إلى مرأب لسياراتهم. هي أزمة مخدرات. وأكثر من ذلك، هي أزمة أطفال «لم نعد ندري ما نقول لهم عما يجري من أفعال منافية للأخلاق في حيّهم»، يقول شمعون.
كثيرة هي الأحاديث عن الحي الذي ما عاد سكنياً، وسترتفع وتيرتها أكثر مع حضور وزير السياحة فادي عبود. عبود، الذي ما إن حلّ على الساحة، حتى بدأت الأصوات تتعالى مطالبة بعدم «تحويل الجميزة إلى ما كان عليه حيّ الزيتونة». كأنها جلسة شكاوى «لايف»، وهكذا أرادها الأهالي. فهنا، «مخنوق من روائح القلي»، وآخر «فاضت علينا مسارب الصرف الصحي»، وثالث يطالب «بنقل الملاهي إلى اللعازارية أو البيال». حان دور عبود، لكن «الشيخ نديم» أولاً (نديم الجميل). يقول الجميل: «نطلب منك معالي الوزير ومن الوزير زياد بارود فتح باركينغ شارل حلو من بكرا، ولا نقبل الصفقات على حساب أهلنا». حان دور عبود الذي وعد الأهالي بتأجيل النوم 4 أيام، إذ إنه ابتداءً من «أول نيسان سأنفذ وعدي بإقفال المحال التي لا تستوفي الشروط القانونية». وأشار عبود «إلى أن فتح مرأب شارل حلو لن ينفع إن لم تحوّل الجميزة إلى حيّ للمشاة، على أن تعلن الجميزة منطقة مقفلة وأن لا يسمح سوى للأهالي بركن سياراتهم فيها». في هذه الأثناء، حضر الجميل الآخر سامي الذي تمنى على المعنيين «حل المشكلة كي لا تفرغ الجميزة من أهلها». ينهي الاعتصام نقولا الصحناوي بكلمة يدعو فيها «وزير الداخلية إلى التشديد على القوى الأمنية بقمع المخالفات». ينهي السياسيون كلامهم، وتعود الجميزة إلى السهر، والساهرون إلى حاناتهم. يسرقون النوم من عيون الأهالي.. أربعة أيامٍ أخرى. فهل يصدق الوعد؟