دفع انزعاج المدعي العام الدولي ممّا وُصف بـ«تسريبات» التحقيق، المتحدثة باسمه راضية عاشوري إلى الاشتباه في عملية «تضليل». لكنّ اللافت أن إعلامية اختيرت لتكون المتحدثة الرسمية باسم المحكمة كانت قد شاركت في ذلك «التضليل».
عمر نشابة
لحظ مكتب المدعي العام الدولي في المحكمة الدولية الخاصة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري «فورة التخمينات بشأن عمله، التي تداولتها وسائل الإعلام، وأسندتها إلى «مصادر مجهولة»، منها ما وُصف بـ«المصادر المطّلعة»، وبـ«مصادر مقرّبة من التحقيق». ورأى مكتب المدعي العام أنّ «التخمينات بشأن تقدّم سير عمله، وموعد إصدار قرار الاتهام أمر مؤسف، وغير مجدٍ، وهو لن يؤدي سوى إلى تضليل الرأي العام».
ويُعدّ موقف مكتب المدعي العام هذا، الذي وزّعته أمس المتحدثة باسمه راضية عاشوري، بمثابة عتب على إعلاميين، بمن فيهم زميلته، المتحدثة باسم المحكمة الدولية فاطمة العيساوي، التي كانت قد نقلت في 15 شباط 2009، قبل تعيينها في منصبها الحالي، عن «مرجع متابع عن كثب آليات عمل لجنة التحقيق الدولي وإنشاء المحكمة، تحفّظ عن ذكر اسمه» قوله «أعتقد أن القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه قد أنجز، وسيُعلَن بعد انتهاء الإجراءات المطلوبة لانطلاق العمل في المحكمة الدولية».
ويستغرب بالتالي اختيار المحكمة العيساوي التي استبقت نتائج التحقيق لتتولى موقع المتحدثة الرسمية باسمها، وخصوصاً أنها ذكرت أيضاً في المقال نفسه، الذي نشرته الزميلة «الشرق الاوسط»، نقلاً عن «مصدر»، أن «شطب أسماء مسؤولين سوريين من التقرير، الذي كان الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس قد رفعه إلى مجلس الأمن، يعود إلى مبدأ حماية هذه الأسماء المشطوبة من التقرير وليس من التحقيق، وذلك للمحافظة على سلامتهم في الدرجة الأولى. وبالتالي ستظهر هذه الأسماء في المحكمة. وهي لم تتغير منذ بدء التحقيق. فالمحققون المتعاقبون على الملف تصرفوا على أن التحقيق كلّ لا يتجزأ. وبالتالي كل محقق أكمل ما بدأه سلفه».
لكنّ بيان عاشوري، الذي نُشر أيضاً على موقع المحكمة الإلكتروني، ينكر «بشدّة كل الادعاءات والتلميحات الزاعمة بأنه يسرّب المعلومات إلى الإعلام عمداً، كما يصرّ ويشدّد على أن سياسة التواصل الخارجي التي يتّبعها المدعي العام هي سياسة منضبطة واعية، تولي أهمية بالغة لنزاهة عمل مكتبه ولثقة الرأي العام، لغاية التوضيح، لا تسريب المعلومات إلى وسائل الإعلام عن السياسات التي يتّبعها مكتب المدعي العام، ولا المدعي العام شخصياً».
بيان مكتب بلمار يشرح أن إحدى أولويات المدعي العام «كانت، منذ الافتتاح الرسمي للمحكمة في الأوّل من آذار/ مارس 2009، وضع أُطُر مؤسسية متينة لحماية سرية التحقيقات ونزاهتها، وقد برز ذلك جليّاً في التقرير السنوي لرئيس المحكمة». لكن البيان لم يحدّد كيف أو في أي قسم من التقرير السنوي للمحكمة تبرز «الأطر المؤسسية المتينة لحماية سرية التحقيقات ونزاهتها». كذلك يستغرب استخدام عاشوري الفعل الماضي الناقص (كانت) من دون إضافة «ولا تزال»، كأنّ الأولويات قد تغيّرت؟
على أي حال أوضح مكتب المدعي العام أنه «لا يناقش قضيته في وسائل الإعلام ولا عبرها كمبدأ عام. إذا أراد المكتب عرض أية معلومات على الرأي العام، يقوم بذلك بصورة علنية ورسمية. وليست المعلومات المنقولة عن لسان أي شخص غير المدعي العام أو الناطقة الرسمية باسمه سوى مجرّد تخمينات يجدر التعاطي معها على هذا الأساس، إذ ما من أحد غيرهما مخوّل التحدّث باسم مكتب المدعي العام».


بلمار يحذّر الموظّفين

شدّد البيان الصادر عن مكتب المدعي العام دنيال بلمار، فيما يُعدّ إنذاراً واضحاً للعاملين في المحكمة، وخصوصاً للذين يعملون ضمن فريق المحققين، «على خطورة الإبلاغ غير المصرّح به لأية معلومات سريّة عن عمل المدعي العام من قبل أيّ شخص مؤتمن عليها». وأكّد «خضوع الشخص المعني للمساءلة». يشير ذلك إلى أن بلمار اتخذ قراراً بملاحقة «المسرّبين» المحتملين من الآن فصاعداً. ويُرجّح أن يتلازم التحذير مع انطلاق برنامج مراقبة مراسلات العاملين واتصالاتهم في المحكمة. لكن مجرّد التحذير سيدفع «المسرّبين» إلى أخذ المزيد من الاحتياطات للحفاظ على سرّية «التسريب». لذا كان يُستحسن أن يفتح بلمار تحقيقاً قضائياً في «التسريبات» لتحديد «المسرّبين» حفاظاً على نزاهة المحكمة وحيادها.