أسود: يبتسم الولد ذو الشفتين اللتين تبدوان كقطرتي ندى، ويضحك حين يحمله الرجل الذي يشبه دباً ضخماً طيباً. يمد الولد كفه الوردية اليمنى نحو ثدي الرجل، فيفر عصفور داخل صدره الذي يشبه جلد غوريللا مكسوّة بالشعر. الرجل، يحدق في عينين أصغر من قطرتي عسل، يضع إصبعه على شفتي الطفل الذي يثغو. ينظر الرجل إلى معصمه الأيسر، ويضع الطفل في مهده الخشبي فوق الأرض الباردة المفروشة بالحصير. يقبّله ويربّت على كتف الأم الساكنة التي تحوك الصوف أمام الموقد. يضع قلبه في الخزانة، يرتدي، تحت معطفه الأسود، كنزة صوفية مثقوبة من جهة القلب، ثم يغلق الباب بهدوء كي لا يزعج الملاك الذي نام للتو. «مسرور»، سياف الخليفة، يذهب إلى عمله، كعادته منذ سنوات!رمادي: هذه السيجارة، لن تستطيع إدفاء صدرك، ذاك المستباح أمام الشحاذين، ورئيس شرطة المدينة، والأبناء المراهقين لتجار الذهب والصيارفة. لم تعد تستطيع إدفاء صدرك يا امرأة تفرك جلدها عند حمّام الفجر البارد بخرقة تكاد تمزقه لكي تستطيع النوم وفي مسامها رائحة أخرى غير رائحة لعاب الزبائن الليليين.
أبيض : غيمة فوق الأرض، تلد حمائم، وتتشكل أمام عيني الطفل: غزال. غيمة بيضاء فوق الأرض، تستولد الأغاني، فيسيل منها الندى على أسطح البيوت المعشوشبة فوق حكايا الجدات اللواتي تلمع أعينهن كالخرز في الشتاءات قرب الأطفال الذين يعاندون النوم. غيمة بيضاء تسيل من قنبلة الغاز تتخلل كنزة الصوف، والجلد الطري، والعينين اللتين ترعيان في السماء، سكينة قطيع الغزلان الشاردة. غيمة بيضاء، تبتلع جسده الساخن الداخل تواً في حلق الموت، وفي عينيه صورة لغزال سارح في زرقة السماء.

http://iftiraadi.blogspot.com
2005_10_01_archive.html