إذا كان النضال النقابي قد عدل قانون العمل لجهة إبقاء المرأة الحامل في الوظيفة، فإنّه لم ينجح في الضغط على أرباب العمل لخلق بيئة صديقة للحمل والولادة. كما أنّ تحقيق استفادة الموظفة الأم من الاستشفاء لأولادها لم يستكمل باستفادتها من «المعاش العائلي»
فاتن الحاج
مرّ أسبوعان فقط على وضع سناء مولودتها الأنثى حين عادت إلى عملها في إحدى الشركات الخاصة. هكذا، تركت الوالدة رضيعتها بأمر من رب عمل أجبرها على العودة، متجاوزاً القانون الذي يمنحها إجازة أمومة 7 أسابيع. تتألم الأم لمجرد أن تتذكر «القهر الذي شعرت به عندما حرمتُ طفلتي الرضاعة الطبيعية». لكن تعزي نفسها بالقول: «في تلك اللحظة كان أمامي خياران كلاهما مرّ، فإما أن ألتحق بالشركة وأنقذ أسرتي من العوز أو أختار البقاء إلى جانب فلذة كبدي وأخسر عملي». ورغم ذلك وجدت سناء نفسها موزعة بين المكانين «جسمي بالشغل وقلبي مع بنتي».
قد يقال لهذه الأم أن تذهب وتشتكي إلى وزارة العمل. نظرياً، هذا ممكن ويجب أن تنال، بناءً على الشكوى، إجازتها كاملة، ولكن ما هي النتيجة عملياً؟ غالباً ما تخسر عملها، تقول المحامية وفيقة منصور.
ما حصل مع سناء لا يتكرر مع أم موظفة في القطاع العام. فهذا الأخير لا يمكن، بحسب منصور، أن يسلب الأم حقها في أخذ إجازة كاملة، «أي 60 يوماً بالتمام والكمال ومن دون تجزئة، وممنوع أن يوجه إليها أي إنذار أو صرف من الخدمة خلال هذه الفترة». ومع ذلك، فنص القانون ليس منصفاً، بحسب منصور، لكونه لا يتماشى مع متطلبات الأمومة التي هي «وظيفة اجتماعية تتضمن حقوقاً وواجبات». فلا قوانين زجرية وآليات تنفيذية تحفظ للأم الموظفة حقوقها في ما لو تعدى رب عملها على هذه الحقوق.
لكن ماذا لو أنّ رب العمل أحجم عن «تشغيل» المرأة المتزوجة خوفاً من تحمل تبعات الأمومة؟ تعلّق منصور: «أحياناً قد يكون محقاً في ذلك فهو ليس الجهة المعنية بمراعاة مصلحة المجتمع. بل على الدولة، إذا افترضنا أنّها الأب الصالح، أن تقدم حوافز لرب العمل في حالات كهذه مثل التخفيف من الضرائب وإعطائه مساعدات تشجيعية كي لا يتلقى عبء هذا الغياب وحده وعلى حساب عمله الخاص». كذلك على المشترع أن يستحدث نصاً قانوياً، كما تقول، يسمح للأم المرضع بأن تتغيب فترة وجيزة عن عملها ليصار إلى إرضاع الطفل من الثدي، على أن يترافق ذلك مع حلول أخرى، منها إلحاق حضانات الأطفال بالمجمعات الصناعية، أو ربما إحياء القانون الذي سمح بإنشاء حضانة في مركز عمل يضم 100 امرأة. تؤكد أهمية أن يكون مستوى هذه الحضانات مقبولاً مادياً وصحياً. ويمكن اعتماد الدوام الجزئي بنصف راتب في القطاع الخاص.
هذا القطاع المسيطر، على حد تعبير عايدة الخطيب، رئيسة رابطة المعلمين الرسميين في بيروت، لا ينظر إلى القضية من النواحي الاجتماعية والوطنية بل «قديش بتقرّش وكيف يمكنه التوفير». تسأل: «ألا تكلّف الأمراض الناتجة من سوء رعاية الطفل في الأشهر الأولى الدولة اقتصادياً وصحياً واجتماعياً؟».
هنا يتحدث د. فيصل القاق، طبيب نسائي، عن بيئة صديقة للحمل، فإذا كانت الأربعين يوماً مدة كافية طبياً للتعافي الصحي للأم، فإنّ صحتها النفسية والاجتماعية تحتاج إلى أكثر من ذلك، لذا تقتضي إطالة إجازة الأمومة لفترة تمتد بين 3 و6 أشهر وإشراك الرجل في رعاية الطفل من خلال إجازة أبوة للإحاطة بالمولود. يقترح القاق أيضاً استحداث غرفة خاصة في مكان العمل للإرضاع من الثدي، مستغرباً كيف يطلب بعض أصحاب المصالح الخاصة، لا سيما مديري المدارس، من المرأة أن تنجب صيفاً. وفي هذا الإطار، تؤكد د. ماري الدبس، عضو اللقاء الوطني من أجل القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، أهمية الإجازة العائلية التي يتقاسمها الأب والأم في السنة الأولى للإنجاب وبراتب كامل، وخصوصاً أنّ الطفل يحتاج إلى من يمكث معه ويصحبه إلى الطبيب. فليفعل ذلك الأب أو الأم، تقول، بما أنّ الاثنين أنجبا هذا الطفل، وبالتالي فإنّ رعايته مسؤوليتهما معاً وليست مسؤولية الأم وحدها. الدبس تتحدث عن مسار نقابي طويل أنتج مجموعة تعديلات مهمة، وإن ليست كافية، ومنها تعديل قانون العمل وإلغاء المادة التي تنص على صرف المرأة الحامل، تطوير إجازات الأمومة بعدما كانت 40 يوماً، استفادة الموظفة من الاستشفاء لأولادها وزوجها الأجنبي. لكن العمل النقابي لم يستطع أن ينصف الأمهات الموظفات في القطاع العام اللواتي يحرمن من «المعاش العائلي» إلا في حالات معيبة، كما تصفها الدبس، أي حين يكون الزوج عاطلاً من العمل، أو مصاباً بإعاقة أو ما شابه، وذلك انطلاقاً من مفهوم الإعالة، «فالمرأة ليست معيلاً للأسرة». وللسبب نفسه، لا تتمتع المرأة، بحسب بهية بعلبكي، عضو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بالخفض الضريبي، إذ تعامل كالرجل العازب. تسأل بعلبكي: «هل هم يساعدون الأسرة اللبنانية أم الرجل اللبناني؟».
تقول: «يجب أن نصل إلى تقدير دور المرأة الإنجابي حق قدره، فتعطى إجازة براتب كامل للاهتمام بالولد في السنة الأولى، وخصوصاً أنّ هناك تشجيعاً على الرضاعة الطبيعية، وإذا تغيرت الذهنية العامة لدى الرجال فبالإمكان إعطاء إجازة أبوة فتعود المرأة بعد شهرين من الوضع إلى العمل ويستلم الرجل المهمة.
ويبقى أن الحركة المطلبية تركزت في الآونة الأخيرة على حق إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها، وهو حق إنساني مشترك بين الأم الموظفة وربة المنزل. ومن مفارقات هذا القانون أنّ المشترع نفسه أعطى المرأة اللبنانية التي تعلن أن ابنها غير شرعي الحق في إعطاء الجنسية لأولادها، فيما تسلب هذا الحق إذا تزوجت من أجنبي، فيما الرجل اللبناني بإمكانه أن يعطي الجنسية لزوجته الأجنبية ولأولادها الأجانب من رجل آخر.


الإجازات في أوروبا

على الرغم من الأزمة الاقتصادية، يناضل أعضاء البرلمان الأوروبي للوصول إلى إجازة أطول للأمومة والأبوة، على قاعدة «الأسر السعيدة تنجب أبناءً أكثر، وهذا ما تحتاجه بشدة أوروبا الهرمة». وتختلف مدة إجازة الأمومة المدفوعة الأجر بين البلدان الأوروبية وهي على الشكل التالي: السويد (96 أسبوعاً)، النرويج (52 أسبوعاً)، الدنمرك (50 أسبوعاً)، إيطاليا (47 أسبوعاً)، تشيكيا (28 أسبوعاً)، بريطانيا (26 أسبوعاً) هنغاريا (24 أسبوعاً)، إيرلندا (22 أسبوعاً)، فرنسا، هولندا، بولندا وإسبانيا (16 أسبوعاً) وألمانيا (14 أسبوعاً).