طرابلس ــ مهيرة علاوي
قبل ستة أشهر، حضر السفير الإسباني إلى طرابلس لتدشين خان الخياطين الذي يعدّ من أهم المعالم الأثرية في المدينة. فقد أعيد ترميمه للمرة الثانية في غضون عشر سنوات. عملية التأهيل أتت كخطوة من ضمن مشروع الإرث الثقافي الذي يُنفّذ حول الخان من أجل إعادة الحيوية إلى مجتمع المدينة واقتصادها، لكن النتيجة كانت كارثية، ففرحة التجار بالترميم تحوّلت إلى صرخات غضب، نتيجة ظهور العديد من العيوب التي اعترت عملية الترميم، التي نفّذتها الشركة المتعهدة. في المبدأ كان يُفترض أن تتضمن ورشة التأهيل معالجة السطح بواسطة مواد مانعة للنش، وتغطية البناء بالكامل بالورقة الكلسية التقليدية من الداخل والخارج، وإعادة رصف الأرضيات بالحجر الطبيعي، وتركيب أبواب من الخشب للمحال التجارية والغرف كلّها، وتركيب ستائر من الحديد المشغول فوق أبواب المحال لاتّقاء مياه الأمطار وأشعة الشمس. هذا ما كان مقرّراً، ولكن النتيجة أثبتت أن الإصلاحات لم تكن أكثر من عملية ماكياج خارجي، طمست آثار الخان وشوّهت معالمه.على سبيل المثال، ترميم الجدران كان يفترض حماية الحجارة الخارجية من التفتت بطلسها بالكلس الأبيض ذي النوعية العالية الجودة، ولكن استعيض عنه بنوعية رديئة من الكلس. ما هي إلّا أشهر حتى تفتّت هذا الأخير واستُعيض عن الكلس بالبويا البيضاء، ذات النوعية الرديئة أيضاً. أسابيع معدودة وتفتّتت البويا. أما بالنسبة إلى ترميم الأرضية والأرصفة، فقد كان من المقرّر استعمال الحجارة القديمة على الجوانب ووضع الحجارة الجديدة في الوسط من أجل إبراز الطابع الأثري، لكن علمية التبليط جاءت عشوائية واستُعملت فيها حجارة لا تنسجم مع طابع الخان القديم. حتى أبواب المحالّ الأربعة والعشرين، كان يُفترض توحيد شكلها، بحيث تتألف من قسمين: سفلي يستعمله الخياط مقعداً، والقسم الآخر يرتفع ليصبح بمثابة ستارة لاتّقاء مياه الأمطار وأشعة الشمس. تبقى الإنارة التي تمثّل قصة فاضحة في عملية الهدر والسرقة. ذلك أن التجار لم يشاهدوا المصابيح إلا يوم جرى حفل تدشين أعمال التأهيل، ليصار بعد ذلك إلى انتزاعها وترك مكانها فارغاً وليتحوّل مع الوقت إلى مسرب لمياه الشتاء وأوكار للحشرات.
يشير أحد التجار حافظ بحيش «إلى أن الترميم أدى الى تشويه الخان وهدر الأموال. كان من المفترض أن يتحسن وضع الخان ولكن ما حصل هو العكس. نحن نعاني من المياه المتسرّبة من السطح، التي تغلغلت داخل الحجارة فكشفت رداءة نوعية الكلس المستعمل، الذي بدأ يتفتت ويتساقط على الأرض داخل المحالّ». ويحتج أحمد الحموي «على عملية تبليط الأرضية وما يعتريه من عيوب تنمّ عن إهمال من جانب المتعهد أدت إلى تشويه الأرض بنوعين من الحجارة المتنافرة وغير المتناسقة. ولم يقتصر الأمر على الشكل، بل إن تلك الحجارة بدأت تتكسّر وتتطاير من مكانها ليستعيض التجار عنها ببعض الباطون لسدّ الفراغ فيكتمل بذلك مشهد التشويه». وفي اتصال مع رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس الدكتور خالد تدمري أشار «إلى أن عملية الترميم جرت من دون رقابة على الشركة المتعهدة، ما أدى إلى إبراز العديد من العيوب وخصوصاً في نوعية الكلس المستعمل، الذي استُعيض عنه في بعض الأماكن بالبويا البيضاء، التي هي أقلّ من المستوى المطلوب، ما أدى الى تفتتها بعد تسرب مياه الشتاء داخل الجدران. أما الخشب المستعمل في الأبواب، فكان ذا نوعية رديئة، حتى إنّ الخان لم يكن له سوى باب خارجي واحد باتجاه النهر، ولكن عملية الترميم شهدت وجود بابين خارجيين من أجل حماية الخان ليلاً لم يُصَر إلى تركيبهما، وحتى لم يراعَ في تصميمهما وضع الخان الأثري من حيث نوعية الخشب وشكله الهندسي الذي يفترض أن يتناسق مع الطابع القديم»، معتبراً أن «العيوب التي اعترت عملية الترميم تفتح الباب أمام غياب دفتر الشروط الذي تفرضه المديرية العامّة الآثار وغياب المتابعة من جانب السفارة الإسبانية».