تحفل الشوارع اللبنانية يومياً بعدد من المخالفات، هنا سائق يتجاوز الضوء الأحمر، وهناك شرطي يتحدث مع فتاة وتتحرك إشاراته بعكس المطلوب. وبين هؤلاء إشارة ضوئية للمشاة يموت لونها الأخضر كرجل ينتظر معجزة تعيد إليه الحياة
زينب زعيتر
لم يلحظ رامي الضوء الأخضر، مرّ بين السيارات ليصل إلى الجهة المقابلة من الشارع، يقول «لا أحد يلتزم بإشارات المرور، أنا لا أفتعل الفوضى، إنّها منتشرة في كل مكان». عند نقطة مرور في منطقة اليونسيكو لم يمتثل المارة لإشارات السير، داني ف. كان من بينهم، تجاوز الضوء الأحمر مسرعاً ، شرح: «لا أتوقف عند الإشارة الحمراء، البلد فوضى، وعندما يُسنّ قانون ملزم فسألتزم بالقرارات».
يقف شرطي السير حسين خ. عند الإشارة مراقباً شاهداً على تلك المخالفات، ويؤكّد أنّ معظم المارة لا يتوقفون عند إشارات المرور الخاصة بالمشاة، ثم يقول «لا نوجّه أيّ إنذار إلى من لا يلتزم بالإشارة، ولا نتحدث معه أبداً، «يصطفل»، إنه يعرّض نفسه للأذى».
عند غاليري الاتحاد ـــــ الجديدة، يقف شرطي سير، لا يبوح باسمه، يقول إنّّ معظم الناس يتوقفون عند الضوء الأحمر لإشارات المرور للمشاة، ويكتفي بتوجيه من لا يلتزم بالإشارة. ولكن من يراقب نقطة المرور هذه خلال أوقات مختلفة من النهار يتبيّن له عكس ما تحدّث عنه الشرطي، إذ لم تمتثل لإشارة المشاة سوى نسبة قليلة جداً من المشاة.
في قضية مخالفة إشارات المرور «الحق على مين؟»، تصعب الإجابة، فحسين شرطي السير لا يعرف إذا كان هناك قانون يُلزم المواطن بالوقوف عند الإشارة، ويعطي الحق للشرطي بإصدار إنذار أو عقوبة، ويصرّ على أنّه «ينفّذ واجبه على أكمل وجه». فيما يؤكّد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية طلال عتريسي أنّ السبب الأساسي لعدم التزام المواطن بالوقوف عند إشارات المرور يكمن في «غياب ثقافة احترام القانون في لبنان. كما أنّ البيئة السياسية الرسمية لا تحترم القانون، ومن وضع القوانين لا يحترمها، فشرطي السير لا يحترم الإشارة كما هي الحال بالنسبة إلى المسؤولين السياسيين».
يمثّل غياب العقوبة سبباً رئيساً في عدم الامتثال للقوانين، ويؤكّد زياد عقل رئيس تجمع «يازا»، أنّ الأشخاص الذين لا يتقيدون بالإشارات الضوئية للمشاة مثّلوا النسبة الأكبر للمخالفات المرورية عام 2009.
مشروع قانون السير الجديد سيحوَّل إلى اللجان النيابية المشتركة لتقديمه لاحقاً إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي، وهو يلحظ في المادة السادسة من الفصل الأول ضرورة التزام المشاة بالإشارة وبتوجيهات رجال أمن السير، إذ نقرأ «على المشاة أن يعتمدوا الأرصفة أو الممرات أو الجسور، وفي حال عدم وجودها، عليهم ألّا يعبروا المعبّد أو يتخطّوه، إلّا بعد التثبّت من أنّ بإمكانهم القيام بذلك بدون أي خطر. وفي هذه الحالة، تكون أفضلية المرور لهم عند عدم وجود إشارة ضوئية أو رجل أمن لتوجيه السير».
اللجان النيابية المشتركة المنكبّة على دراسة مشروع قانون السير الجديد، ستحدّد لاحقاً الغرامة المالية التي ستُفرض على المخالفين. أمّا القانون الحالي، فيُعاقب من لا يمتثل لإشارة المشاة بغرامة تبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية. يتوقّع عقل أن يكون القانون الجديد قابلاً للتطبيق، «نرى أنّ نجاح قانون السير الجديد أو فشله مسؤولية قوى الأمن الداخلي، إضافةً إلى شرطة واتحاد البلديات».
تفعيل عمل الإشارات الضوئية الخاصة بالمشاة والمركبات يعدّ جزءاً من سلسلة قوانين توفّر السلامة العامة، وهو يتطلّب مراقبة من جانب شرطة البلديات لحركة المرور بمؤازرة قوى الأمن الداخلي. يؤكّد ضابط مسؤول عن شؤون السير في قوى الأمن الداخلي أنّه لا تنظَّم محاضر ضد من لا يلتزم بإشارات المرور الخاصة بالمشاة، ويقول «لا يتمتع المواطنون عامة بالوعي والإدراك لضرورة الالتزام بالإشارات، وكثيرون لا يعرفون لمن وُضعت الإشارة، ويعتقدون بأنّها تابعة للإشارات الخاصة بالسيارات». لا يحمّل المسؤول شرطي السير المسؤولية الكاملة عن تزايد المخالفات، ويرى أنّ الشرطي «لا يستطيع التوفيق في مهمة تنظيم السير، فكيف له أن يتابع دراجة هوائية تتجاوز الضوء الأحمر، وسائق أو مار لا يلتزم بالإشارة ... وكل أنواع المخالفات التي تحصل على الشارع؟». في رأي هذا المسؤول فإنّ المسؤولية الأكبر تقع على عاتق القيادات العليا في قوى الأمن «يجب أن يقدَّم إيعاز من قوى الأمن الداخلي، من القيادة المختصة بشؤون السير لتفعيل المحاضر والعقوبات بحق مخالفي الإشارة الضوئية للمشاة، على غرار الخطوة التي اتُّخذت أخيراً بتفعيل المحاضر بالنسبة إلى عقوبة مخالفة من لا يضع حزام الأمان».
لا يَخفى على أحد، أن انقطاع التيار الكهربائي وسياسة «التقنين» تُطفئان إشارات المرور، فكيف يُطلب من المواطن أن يلتزم بإشارة المرور التي تعمل بطريقة متقطّعة؟ ثمة سؤال آخر شديد الأهمية، لماذا لا تُقام أرصفة للمشاة حفاظاً على سلامتهم؟
من جهة ثانية، يؤكّد الضابط أنّ المسؤولية لا تُلقى كاملة على قوى الأمن، وينعقد غياب الوعي لدى المواطن على حجم المخالفة والضرر الذي يسبّبه عند مخالفة الإشارة «من هنا يجب أن يلحظ قانون السير إدخال مقررات ضمن مادة التربية المدنية في المناهج التعليمية، تُعرِّف المواطن منذ مرحلة مبكرة على السلامة المرورية».

كيف يُطلب من المواطن أن يلتزم بإشارة المرور التي تعمل بطريقة متقطّعة؟

يوافق المستشار الفني لشؤون السير في بلدية بيروت ميشال عساف على فكرة ضرورة إدراج مادة تدرّس قوانين السير ضمن المناهج التربوية التعليمية، ويرى أنّ الوظيفة الأساسية لبلدية بيروت، في ما يختص بالتنظيم المروري، هي وضع الإشارات التوجيهية والمرورية ليتقيّد بها المواطن، ويقول عساف «مهمتنا هي التنظيم، وعلى شرطة بيروت، وهو جهاز تابع لقوى الأمن الداخلي أن تطبّق القوانين المرورية، وهذا يعني أنّ التنفيذ على الأرض مسؤولية شرطة بيروت». من مهمّات دائرة السير في البلديةً دراسة أحوال السير، ويجري التنسيق مع المسؤولين في قوى الأمن الداخلي لتنظيم السير وقمع المخالفات، «البلدية تعطي التوجيه وقوى الأمن تنفّذ»، يؤكد عساف الذي يحمّل المواطن جزءاً من مسؤولية عدم الالتزام بالإشارات المرورية، ويرى أن «عملية توعية المواطن إلى ضرورة الامتثال لهذه الإشارات لا تدخل ضمن مهمّات بلدية بيروت». هنا لا بد من الإشارة إلى أنّ بلدية بيروت عملت قبل سنوات على توزيع كتيّبات للمواطنين للتعريف ببعض الإشارات.
تحدث عسّاف عن مشروع تطوير النقل الحضري لمدينة بيروت، الذي يعمل على تنفيذه مجلس الإنماء والإعمار. يتضمن المشروع بنداً عن القيام بحملات إعلامية توعوية لتعريف المواطن بالإشارات وبالسلامة المرورية على الطرقات. وضعت شركة «team» المشروع قبل 12 سنة، ويتوقع عساف البدء بتنفيذه بعد أربعة شهور، ويقول: «عندما يسلَّم المشروع إلى البلدية نبدأ بتنفيذه».


القانون الجديد بعد أربعة شهور؟

تتعاقد البلدية مع إحدى الشركات المختصة لتركيب الإشارات في الأماكن اللازمة، بعد أن تتسلم أمر التنفيذ من قوى الأمن الداخلي. تحتسب قيادة السير في قوى الأمن الوقت المطلوب لكل إشارة، فإذا تطلّب الوضع تغيير معدل الوقت المُخصص للضوء الأحمر أو الأخضر تطلب من البلدية المعنية أن ترسل فريقاً من جانب الشركة المنفّذة لتغيير الوقت المحتسب للعدادات الضوئية. من جهة أخرى، أنجزت اللجنة المصغّرة، المكلّفة البحث في الاقتراحات المتعلقة بمشروع قانون السير الجديد، الاقتراح الذي سيحال لاحقاً على الهيئة العامة للمجلس النيابي، ويتوقع زياد عقل أن يُقَر القانون الجديد خلال أربعة شهور. تنص المادة 216 على إنشاء المجلس الوطني للسلامة المرورية، ومن صلاحياته مراقبة جميع المؤسسات التي تعنى بشؤون السير. وتسجّل على رخصة القيادة 12 نقطة، وتُسحب النقاط بالتناسب مع المخالفات المرتكبة، فتُسحب مثلاً 6 نقاط، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهرين، أو بغرامة لا تقل عن 75 ألف ليرة لبنانية، أو بكلتا العقوبتين كل من تجاوز الإشارة الحمراء.