عمّان ـــ يزن الأشقريمكن اختصار علاقة المشاهد للسينما بعلاقته بالصورة واستيعابه لحركتها، أي عملية استيعاب 24 صورة تتحرك في الثانية الواحدة تقريباً. علاقتي بالصورة هكذا، كمتابع للسينما مشاهدة وتأملاً. ذاكرتي مليئة بصور عمّان وصور واقعنا العربي عامةً. سينما واقعية حية، لكن حتى الآن، لا نهاية سعيدة. أستطيع اختصار علاقة المواطن العربي بواقعه من خلال الصورة وتفاعله معها. فالإنسان عادة ما يشاهد فيلماً للهروب اللذيذ، فإما أن يصطدم بواقعه تقبّلاً أو تحليلاً، أو يتجنب جميع الإشارات التي تدل على هذا الواقع بالسير في طريق المشاهدة السطحية. دولوز يناقض الشائع في فلسفته للصورة. رفض مبدأ فهم السينما كتتابع حركي للصور الفوتوغرافية، فالسينما تعطينا صورة متحركة مباشرة، واستمرارية هذه الحركة هي ما يصف الشكل الكلي. أسأل أحياناً عن ارتباط هذا المفهوم بواقعنا العربي. دولوز في تعريفه مفهوم الصورة ــــ الحركة ـــــ الزمن في السينما، يعرف الحياة أيضاً. فالسينما هي أمر يقع ما بين الحياة والفن، كما قال جودار، تأخذ من الحياة وتعطيها. عندما أمشي وحيداً في شوارع عمان الهادئة ليلاً، أرى الواقع كما هو، وهو ليس حكراً على عمّان. حقيقتنا تراجيدية، عندنا مشكلة في الحركة بالاتجاه الصحيح، وعدستنا متسخة.
علاقتي بعمّان شبيهة بالسينما. وربما علاقتي بالعالم العربي ككل. الصور ذاتها. هل أنظر إليها باحثاً عن المعنى الخفي وراء ما يجري؟ هل لا بد من نظرة تحليلية دائماً أم يكفي، كما يقول دولوز، فهمها مباشرة كتركيبة واحدة؟ عمّان بالنسبة إلي مجموعة هائلة من الصور، صور من الترقب والانتظار، صور من الحب والكراهية، صور من الغنى والفقر والملل، صور من صحراء الأرصفة وأشجارها، صور وراءها طلبة وعمّال وتجار ونواب وصحافيون. عمّان في الخريف والشتاء كشريط سينمائي هادئ طويل. طاولة قديمة في مقهى أقدم. قهوة وسجائر. ضباب الدخان. عمّان محطّة وجودية بالتأكيد. صور متحركة في كل مكان. غريبة هي عمّان، ربما لن أفهمها أبداً.