لم يتعب أحمد أبو ودّو، الرئيس السابق لاتحاد موظفي وكالة الأونروا، من المواجهة بعد. فعلى مدى 36 عاماً، أبى الرجل أن يكون عمله النقابي جسر عبور لتبوئه مراكز حساسة في الوكالة. واليوم يخرج إلى التقاعد وضميره مرتاح لتنفيذه 90% من أجندة المطالب
فاتن الحاج
من يلتقِ أحمد أبو ودّو، الرئيس السابق لاتحاد موظفي وكالة الأونروا، اليوم، يشعرْ أنّه دخل الوظيفة للتو. لا يبدو النقابي الفلسطيني راغباً في ترك ساحة الدفاع عن حقوق المعلمين الفلسطينيين، أو ربما لا يريد أن يصدّق أنّ درب نضاله ينتهي بخروجه إلى التقاعد. من منزله في الطريق الجديدة، يتابع عضو المجلس السياسي في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، الشاردة والواردة في اتحاد موظفي وكالة الأونروا. لا يزال أبو ودّو يشرف بنفسه على تحرير النشرة الدوريّة لـ«قضايا المعلمين». هم في المقابل، أي الموظفون، لا يوفرونه في أي استشارة نقابية، فهاتفه لا يكاد يهدأ من سؤال عن كيفية متابعة حق من هنا أو مطلب من هناك. لكن، ما يقلق الرجل عدم ضمان استمرارية العمل النقابي الفلسطيني في المرحلة المقبلة.
هنا، يتحمس أبو ودّو للحديث عن «فترة ذهبية» «أسست لها مع كوادر نقابية استطاعت تحقيق إنجازات استراتيجية في السنوات العشر الماضية».
يعدد مفاتيح النجاح في المهمة «ببساطة، عليك أن تنزع مقولة «يس سير»، أو نعم سيدي من قاموسك. أن تكون بمستوى تمثيل الموظفين الذين منحوك ثقتهم. ألا تخاف من رب العمل ولا تسمح له باللعب على التناقضات داخل نقابتك».
يقول والبريق يلمع في عينيه إنّه لم يحد قيد أنملة عن هذه المبادئ النقابية. فالنقابي العنيد لم يكترث لاتهام الأونروا له بالتطرف «والتخريب» واللادبلوماسية، لكنّه يفخر بأنّه «مفاوض صعب يطرح الحد الأقصى من المطالب ولا يساوم على حقوق المعلمين». «لست نادماً على الإطلاق»، يسارع إلى القول، بل «أحلم بأن يأتي يوم ويخرج فيه اتحاد الموظفين من دائرة وصاية الأونروا».
لا يزال الرجل يذكر كيف كان في عام 1994 مسؤولاً للإعلام في المجلس التنفيذي لاتحاد الموظفين ومعارضاً لطروحات المجلس في الوقت نفسه. هذا المجلس الذي كان يخضع، كما يقول، لضغوط الوكالة والقوى السياسية. هكذا، نفّذ مع بعض المعلمين إضراباً لمدة 7 أيام وساعتين للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين الضمانات الصحية. يومها، جمّد عضويته داخل الاتحاد وطالب بإجراء انتخابات مبكرة.
خاض أبو ودّو معركة إخراج التأمين الصحي من براثن الفساد
في عام 1996، وصل أبو ودّو مرة أخرى إلى المجلس التنفيذي، لكن تحالفه الذي يضم التجمع الديموقراطي للمعلمين، منظمة المعلمين الفلسطينيين ومنظمة فتح للحركيين لم ينل الأغلبية داخل الاتحاد.
أما في انتخابات 1999، فقد استطاع التحالف نفسه أن يمسك زمام الأمور وبقي مسيطراً حتى اليوم. هنا، يشرح أبو ودّو كيف «أعدنا التقاليد الديموقراطية إلى الاتحاد الذي تحوّل بين عامي 1993 و1999 إلى جهاز من أجهزة الأونروا وساوم على حقوق الموظفين ولم يحقق أي إنجازات».
استلم أبو ودّو رئاسة الاتحاد في لبنان في عام 2000. يستعيد بثقة لحظات التحرّك الذي تبنته اتحادات الموظفين في الأقطار الخمسة (غزة، الضفة الغربية، سوريا، الأردن ولبنان)، وتمكن من توحيد سلسلة الأجور على فئة «أكس». جاء ذلك على أثر استحداث فئة «زد» في عام 1995، بحجة أنّ الوكالة منظمة ثابتة مؤقتة ستسلّم مكاتبها قريباً نتيجة الحديث عن قيام الدولة الفلسطينية بعيد اتفاق أوسلو. لكنّ الاتحاد وجد في الفئة الجديدة تمييزاً بين المواطنين ونجح بعد صراع طويل مع إدارة الأونروا والمفوض العام في تحويل «زد» إلى «أكس». كما استطاع الاتحاد انتزاع تعويض نهاية الخدمة (شهر عن كل سنة) لهذه الفئة ابتداءً من 1/1/2008. وفي عام 2012 سيسقط تعاقد كل من هو على فئة «أكس» ومضى على خدمته 10 سنوات ويصبح موظفاً ثابتاً.
من إنجازات اتحاد الموظفين إعطاء إجازة أبوّة أسبوعين
لكن المحطة الأبرز في المواجهة بالنسبة إلى أبو ودّو كانت معركة «إخراج مشروع التأمين الصحي من براثن الفساد والسمسرة». فالمشروع لم يخضع بين عامي 1991 و2002 لاستدراج العروض بل كان يُجدّد تلقائياً لإحدى شركات التأمين. لذا قرر أعضاء الاتحاد القيام بجولة على الشركات الرئيسية «حتى باتت لدينا معرفة بواقع التأمين الصحي في لبنان، فاكتشفنا أنّ هناك سمسرة بنصف مليون دولار، وقد كان ميتشو، المدير العام للأونروا آنذاك وفريقه يتقاضون من الشركة 30 ألف دولار شهرياً». هكذا نجح النقابيون في تغيير الشركة وإعادة تفعيل استدراج العروض كل 3 سنوات ومن الأردن هذه المرة. كما انتزعوا الموافقة على رفع التغطية إلى 100 ألف دولار لكل فرد في السنة. أما ميتشو فقد اتهم أبو ودّو بأنّه هو من فتح الخطوط على الشركات و«خرّب» المشروع. عندها رفع النقابي الفلسطيني رسالة إلى المفوض العام طالب فيها بأن يدفع المدير العام حقوق الموظفين من جيبه الخاص إذا ثبت أنّه متورط في القضية. لكن ما حصل أنّ مكتب التدقيق الذي حضر من عمان لم يتجرأ على القيام بتحقيق جدي ولم يحاول كشف القضية، بحسب أبو ودّو، بل استبعد فقط الشركة السابقة التي لا تشارك حتى الآن في استدراج العروض. لا ينسى أبو ودّو الرقم الذي كان يتقاضاه كل فرد من الفريق وهو 300 دولار في اليوم الواحد!. ومع ذلك، ثبت أنّ فريق الأونروا كان متورطاً، كما يقول، بدليل استقالة عدد لا بأس به من أعضائه، بمن فيهم محامي الوكالة الذي كان يشرف على العقود مع شركة التأمين.
بين عامي 2004 و2005، انتخب أبو ودّو رئيساً لاتحاد الموظفين في الأقطار الخمسة. وفي عام 2006، خاض صراعاً آخر مع مدير الأونروا آنذاك ريتشارد كوك حين تحدث عن مهزلة التعيينات والفساد في التوظيف، فاستخدم كوك إحدى الصحف ليرد عليه في صفحة كاملة عن شفافية المقابلات. لكن أبو ودّو أصرّ على رأيه في رسالة رفعها إلى المفوض العام والأمين العام للأمم المتحدة، «وحاول المدير العام في اجتماعاته أن يحرّض المجلس التنفيذي ضدي، على خلفية أنّ المشكلة هي مع أحمد أبو ودّو لا مع المجلس».
يخرج أبو ودّو إلى التقاعد مرتاح البال وقد تحقق، كما يقول، 90 % من المطالب على أجندة الاتحاد، كان أبرزها رفع إجازة الأمومة إلى 3 أشهر وإعطاء إجازة أبوّة أسبوعين ومنح المعلمين الذين يستكملون تعليمهم عطلة 15 يوماً مدفوعة الأجر لتقديم الامتحانات وسنة مغادرة من دون أجر. ومن الإنجازات خفض سن التقاعد إلى 50 سنة بدلاً من 55 وإلى 45 عاماً لمن أمضى في الخدمة 20 سنة. ويضاف إلى ذلك إدراج المتقاعدين في مشروع التأمين الصحي حتى 70 سنة.


بطاقة تعريف

ولد أحمد أبو ودّو في بنت جبيل. تلقى علومه في مدرسة الاتحاد في مخيم برج الشمالي في صور. معلم اللغة الإنكليزية تدرّج في وظيفته كما في مهمته النقابية، فعُيّن مدرساً في مخيمات تل الزعتر وشاتيلا ومار الياس قبل أن يصبح مديراً لمدرسة رأس العين في منطقة صبرا، حيث استمر حتى تقاعده في 2009. تخرّج من دار المعلمين في سبلين ونال الإجازة في اللغة الإنكليزية من الجامعة اللبنانية.