صدر القرار الظني في حادثة عين الرمانة التي قُتل فيها المواطن جورج أبو ماضي وجُرح آخرون في 6 تشرين الأول الفائت. وضع قاضي التحقيق فوزي خميس الحادثة في إطارها الفردي وظن بعشرة شبّان دخلوا عين الرمانة بدراجات نارية «لافتعال مشكل»
رضوان مرتضى
قُتل جورج بطعنة في القلب بالقرب من منزله في عين الرمانة. قيل إن القتلة جاؤوا من الشياح. استنفرت القوى الأمنية والأحزاب المعنية بعدما أعادت الحادثة إلى أذهان اللبنانيين «بوسطة الـ75»، وما خلّفه ذلك اليوم من حروب واضطرابات. أُوقف عشرة شبان بعد مرور عشرة أيام على الحادثة، فتبين أن أكبرهم لمّا يبلغ الثانية والعشرين عاماً بعد، وأصغرهم قاصر لم يكمل الثامنة عشرة.
ادعي على الشبان العشرة بأنهم قتلوا جورج عمداً وحاولوا قتل آخرين عبر طعنهم بالسكاكين والخناجر وآلات حادة ممنوعة. كذلك ادعي عليهم «بالقيام والمشاركة بأعمال شغب من شأنها النيل من الوحدة الوطنية وتعكير الصفاء بين عناصر الأمة وإثارة النعرات المذهبية».
وبالعودة إلى أصل الحادثة حسب القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان فوزي خميس، فإن سميح ح. كان قبل نحو أسبوع من الواقعة، يمر بدراجة نارية برفقة علي ب. في محلة عين الرمانة، فحصل تلاسن بينهما وبين أحد الأشخاص الذي اتهمهما بالتحرش بفتاة مارة، فوجّه إليهما الشتائم فردّا بالمثل من دون أن يحصل تضارب بينهم. لم يجرؤ الشابان على مواجهة «ابن المنطقة» لكونه كان برفقة العديد من الشبان، فغادرا المكان وفي نيتهما العودة لاحقاً للانتقام لكرامتهما «الممتهنة».
أخبر سميح باقي الشبان المدعى عليهم بما حصل معه، فقرروا الانتقام «للكرامة المجروحة». اتفقوا على الانتقال بواسطة دراجات نارية إلى عين الرمانة ليلاً، وعند الساعة العاشرة تقريباً تجمّعوا قرب حلويات الإخلاص على طريق صيدا القديمة بين الشياح وعين الرمانة. طلب سميح من رفاقه الانتظار في المكان ريثما يعود من جولة استطلاعية. صعد خلف أحمد ع. على متن دراجة هذا الأخير. عاد الشابان بعدها ليخبرا باقي المدعى عليهم أنهما قد «افتعلا مشكلاً» مع مجموعة من الشبان هناك، وطلبوا منهم الدخول لمتابعته. وبالفعل، دخل المدعى عليهم العشرة على متن خمس دراجات نارية. كان الشبان المدعى عليهم مزوّدين أدوات للإيذاء، فعلي س. كان يحمل سكيناً تُفتح دائرياً، فيما كان كل من علي ي. وعلي ب. يحملان خنجرين. أما سميح ح. وحسين ش. فكانا يحملان «بوكس حديدية»، فيما كان أحمد ع. يحمل عصا اصطناعية. كذلك كان يحيى ي. يحمل عصا من كاوتشوك، وكان حسن ج. يحمل كرباجاً من الأسلاك الكهربائية المجدولة ببعضها.
دخل الشبان العشرة في موكب واحد إلى شوارع عين الرمانة، وتحديداً حي صنين، ولدى وصولهم إلى قرب كاليري كنعان حيث كان يقف المرحوم جورج أبو ماضي قرب منزله برفقة العديد من الشبان، عُرف منهم المدّعون سليم ب. وجان هـ. ومازن م. وجورج م. وموسى ع. جان ح.
كان المتهم يحمل خنجراً كبيراً طعن به أبو ماضي، ما أدى إلى وفاته
تابع الموكب سيره ومرّ بالقرب منهم، لكن سميح ح. الذي كان يركب خلف أحمد ع. على الدراجة النارية الأخيرة من الموكب، ترجّل وبيده «بوكس حديدية» ثم هجم على الشبان الواقفين صارخاً على رفاقه بالنزول. انقضّ سميح على موسى ع. وضربه بقبضة الحديد على رأسه. نزل رفاقه عن دراجاتهم وهجموا بالأسلحة التي كانت بحوزتهم وانهالوا بالضرب والطعن على المدّعين. أدت الواقعة إلى إصابة المرحوم جورج أبو ماضي بطعنة خنجر دخلت من الناحية اليسرى من صدره ونفذت إلى رئته وقلبه، ما أدى إلى إصابته بنزف حاد أدى إلى وفاته سريعاً. أصيب سليم ب. بطعنة في أسفل بطنه، وأصيب جان هـ. بطعنة في خاصرته اليمنى وبجروح مختلفة. وتبين كذلك أن مازن م. قد أصيب بعدة جروح في رأسه، فيما أصيب جان ح. بأربع طعنات في ظهره وتحت إبطه، وأصيب أيضاً موسى ع. بجروح في رأسه، وتلقى جورج م. ضربة قوية بعصا حديدية على رأسه أحدثت له جرحاً في الجانب الأيمن من الجبين.
وتبين من خلال الإفادات الأولية التي أدلى بها المدعى عليه علي ي. الذي كان يحمل خنجراً كبيراً، أنه هو من طعن المغدور جورج أبو ماضي، ما أدى الى وفاته. وتبين أنه هو من طعن سليم ب. وجان هـ. لأنه كان يتباهى بذلك بعد الحادث قائلاً: «عملت فيهم العجايب وخزّقتهن». كذلك تبين أن علي س. طعن عدداً من المدّعين لأنه تباهى بـ«إنجازاته» المماثلة لـ«إنجازات» المدعى عليه علي ي. وتبين أيضاً أن باقي المدعى عليهم شاركوا بالأسلحة التي كانوا يحملونها بإيذاء العديد من المدّعين وسببوا لهم إصابات.
إثر الحادث، تجمّع العديد من الشبان الغاضبين في المكان، فصودف مرور حسين ص. بسيارته، فانهالوا عليه بالضرب وكسّروا سيارته، لكن تدخّل القوى الأمنية أنقذه منهم، إلا أنه أصيب بجروح ورضوض مختلفة، غير أن التحقيق لم يتوصل إلى معرفة هوية الفاعلين.
وبالعودة إلى النظرة القانونية، استُخلص أن علي ي. أقدم عمداً على طعن جورج أبو ماضي بخنجره، ما أدى إلى وفاته متأثراً بالإصابة، فضلاً عن محاولته قتل المدعين عمداً. وفي ما يتعلق بأفعال المدعى عليهم التسعة لجهة إقدامهم على التدخل في جريمة قتل المرحوم أبو ماضي ومحاولة قتل المدّعين، فقد رأى القاضي أنهم عاونوا علي ي. على الأفعال التي هيّأت للجريمة.
لذلك تقرر اعتبار فعل المدعى عليه علي ي. من نوع الجنايات المنصوص عليها في المواد 549 و 549 /201 من قانون العقوبات المتعلّقة بجرائم القتل، والظن به وفقاً للمواد 346 و317 عقوبات، والمادة 73 من قانون الأسلحة. كذلك تقرر اعتبار أفعال علي ح. وسميح ح. وعلي ب. وحسين ش. وأحمد ع. وإبراهيم ي. ويحيى ي. وحسن ج. وعباس ز. من نوع الجنايات المنصوص عليها في المواد 549/219 و549/201 من قانون العقوبات والمادة 73 من قانون الأسلحة معطوفة على القانون الرقم 422/2002 بالنسبة إلى القاصرين. وتقرر أيضاً منع المحاكمة عن المدعى عليهم العشرة بالنسبة إلى جرم المادة 554 من قانون العقوبات واتباع الجنح بالجنايات للتلازم، بالإضافة إلى إيجاب محاكمة المدعى عليهم أمام محكمة جنايات جبل لبنان وتدريكهم الرسوم والنفقات.
يشار إلى أن عقوبة المادة 549 تصل إلى حد الإعدام، فيما تتعلق المادة 346 بتجمعات الشغب حيث يعاقب عليها القانون بالحبس من شهر إلى سنة. وأخيراً، تقرر إعادة الملف إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لإيداعه المرجع المختص.


قالوا إنهم تعرّضوا للضرب

تراجع المدعى عليهم عن الإفادات المفصلة والاعترافات الواضحة التي أدلوا بها خلال التحقيقات الأولية، والتي أكدت تورطهم في الحادث، وخصوصاً بعدما تعرف المدعي سليم ب. إلى علي ي. مؤكداً التفاصيل الدقيقة التي أدلوا بها.
وقد تذرّع المدعى عليهم بأنهم تعرّضوا للضرب، لكن قاضي التحقيق لم يأخذ بذرائعهم لأنه لم تثبت لديه ادعاءاتهم لأنهم مثلوا أمامه بصحة جيّدة، حيث لم تظهر عليهم أي آثار تدل على ذلك.
ورأى قاضي التحقيق أنه رغم إنكارهم لصحة إفاداتهم الأولية، فإن التحقيق أثبت حقائق لا تدعو إلى الشك، كإفادة المدعى عليه علي ح. الذي قال إن علي ي. أخبره ليلة الحادث أنه هو من طعن المغدور جورج أبو ماضي بخنجره مع عدة أشخاص آخرين، بالإضافة إلى الإفادات التي تؤكد صحة ما ورد من وقائع رغم محاولة بعض المدعى عليهم التنصّل من المسؤولية، من دون أن يفلحوا بذلك.