لكل سؤال قصة مقنعة. هذه هي استراتيجية مانويل فون ريبيك في إقناع أسر ضحاياالطائرة الإثيوبية توكيله الدفاع عنهم في شيكاغو. المحامي الأميركي لا يطيل الشرح، فالدعاوى الـ٢٥ التي ربحها كفيلة بتقديم الأجوبة
بسام القنطار
لا يحتاج المحامي الأميركي مانويل فون ريبيك إلى كثير عناء ليقنع زبائنه باحترافه المرافعة في قضايا حوادث الطيران. سجل «مؤسسة ريبيك القانونية» التي يتشارك في ملكيتها مع عدد من المحامين، خير شاهد. ٢٥ قضية رفعت المؤسسة دعاواها وربحتها في قضايا كوارث الطيران كانت كفيلة بأن تقنع علي خاتون، وتيلاهو هابت ميريم، ولايكو تسيما هايل، من أهالي ضحايا الطائرة الإثيوبية، بالتوقيع على الدعوى التي تقدمت بها المؤسسة إلى محكمة كوك كونتي في إيلنوي ـــــ شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقع المقر الرئيسي للشركة.
في ٢٥ شباط الماضي، طلبت مؤسسة ريبيك أن تأمر محكمة كوك كونتي بأن تقدم شركة بوينغ للمدّعين، بصفتهم أقارب لثلاث ضحايا في تحطم طائرة البوينغ 787/800 المتجهة من بيروت إلى أديس أبابا، جميع الأدلة والوثائق المتعلقة بسجلات التصميم والتصنيع للطائرة التي تحطّمت، إضافة إلى أي سجلات تتعلق بصيانتها، منذ رحلتها الأولى في عام ٢٠٠٢.
منذ ذلك التاريخ ارتفع عدد الموكلين ليصل إلى ١١ عائلة إثيوبية، فيما يتحفّظ ريبيك عن إعلان عدد الموكلين اللبنانيين أو الأجانب، لأسباب تتعلق بخصوصيتهم الشخصية. هو تحفّظ يشير إلى أن العدد لم يرتفع كثيراً، رغم أن الشركة التقت ٣٥ عائلة من أصل ٥٤ تمثل إجمالي عدد الضحايا اللبنانيين الذين كانوا على متن الرحلة رقم ٤٠٩.
في فندق كاليريا، في منطقة الجناح، يجلس ريبيك وإلى جانبه شريكه المحامي جان فيك ومساعدتان اختيرتا بعناية. الأولى لبنانية تدعى فاطمة السبلاني، وهي تتولى عملية الاتصال بالعائلات اللبنانية ووسائل الإعلام، أما الثانية فتركيّة تدعى غولدن كيرت، تتولى المساعدة في تقديم عرض نموذجي للسجل الحافل للمؤسسة في المرافعة، أعدّ باللغة العربية، ويقدم الأجوبة بدقة متناهية من خلال أرشيف الدعاوى السابقة، والنتيجة النهائية التي وصلت إليها.
٢٨ نيسان ٢٠١٠ هو الموعد الذي حددته محكمة كوك كونتي للاستماع إلى شركة بوينغ، الذي يفترض أن تقدم فيه المعلومات التي طلبتها مؤسسة ريبيك، وهي تتعلق أساساً بهوية مصمم ومصنّع أنظمة التحكم وموازن المصعد (trim of the elevator) والموجّه والجناح (الذيل)، إضافة إلى مصمم ومصنّع مخفف الانعطاف وكتيب التدريب على الرحلة لطائرة البوينغ 737ــ٨٠٠ وكتيّب عمليات طاقم الرحلة وكتيّب صيانة الطائرة وغيرها من الوثائق التي ضمنها طلب الالتماس الذي يقع في خمس صفحات.
بعدها ستعمد الشركة إلى دراسة الوثائق تمهيداً لرفع الدعوى رسمياًًً ضد شركة بوينغ الأميركية والخطوط الجوية الإثيوبية وشركة «سي آي تي» المالكة للطائرة، إضافة إلى الشركات المصنّعة للأجزاء المختلفة للطائرة، التي قد يصل عددها إلى أكثر من ٨٠ شركة، وتشمل الشركات التي تقوم بأعمال صيانة للطائرة خلال وقت عملها تحت سيطرة الخطوط الجوية الإثيوبية، وفق ما أكد ريبيك في مقابلة مع «الأخبار».
انتظار نتائج التقرير النهائي «مضيعة للوقت»
رسالة أساسية يركّز عليها ريبيك ويحاول أن يوصلها إلى عائلات الضحايا «التقرير النهائي لن يحدد الجهة المسؤولة عن الحادثة، بل سيكتفي بتقديم توصيات عامة لتفادي حوادث مستقبلية». ويلفت إلى أن التحقيقات التي ستجريها المؤسسة والأدلة التي يمكنها إثباتها أمام القاضي هي التي ستأخذ بها المحكمة وتقرر في النهاية قيمة التعويض الذي ستناله كل عائلة. ووفقاً للمعاهدات التي تحكم القانون الدولي للجو، فإن الحكومات لا يمكنها أن تعلن من هو المخطئ، وبالتالي فإن انتظار نتائج التقرير النهائي هو «مضيعة للوقت»، بحسب ريبيك.
يقدم ريبيك مثالاً بسيطاً عن نتائج الدعاوى في حوادث الطيران: فإذا كان هناك حادث سير على الطريق، فإن الخبراء يوزّعون المسؤولية بين ٧٠ في المئة للطرف الأول و٣٠ في المئة للطرف الثاني. أما في حوادث الطيران، فإن الطرف الأول يتحمل الخطأ بنسبة ١٠٠ في المئة لأن الطرف الثاني أوكله القيادة وكان يجلس في مقعده ويضع حزام الأمان وينتظر أن يصل بسلام إلى الوجهة التي يقصدها. يضيف: «مهمتنا هي تحديد الطرف الأول بدقة وخوض مسار قانوني وقضائي معقّد للحصول على أعلى نسبة من التعويضات للطرف الثاني».
لا يستبعد ريبيك احتمال الخطأ البشري على أنه سبب أساسي لوقوع الكارثة، ولكن خبرته تدفعه إلى الربط بقوة بين فرضيّتَي الخطأ البشري والخطأ التقني في الطائرة. ويؤكد أنه بمعزل عن النتيجة النهائية التي سيصل إليها فريق عمله، فإن محكمة شيكاغو ستكون صالحة للنظر في الدعوى.
يسخر ريبيك من الرأي القانوني الذي يقول إن إثيوبيا غير ملزمة باتفاقية مونتريال لعام ١٩٩٩ وإنها ملزمة فقط باتفاقية وارسو لعام ١٩٢٩ التي تحدد تعويضات زهيدة لعائلات الضحايا. ويعطي مثالاً على ذلك دعوى ترافعت فيها المؤسسة عن عائلات من الباهاماس التي لم توقّع بدورها على اتفاقية مونتريال، وكيف أن القاضي الأميركي وافق على طلب مؤسسة ريبيك إخضاع الباهاماس لاتفاقية مونتريال، وكيف نجحت ريبيك في الحصول على ٥٠ مليون دولار، تعويضاً لعائلات عشرين راكباً من مواطني الباهاماس كانت شركة التأمين تعترض على قيمة التعويضات المستحقة لهم.
الأتعاب التي ستتقاضاها ريبيك تراوح بين ٢٠ و٣٣ في المئة من التعويضات، أما المبلغ النهائي فيحدد وفق مسار الدعوى، فإذا قرّرت شركة التأمين تقديم نقض بالحكم، وأعادت المحكمة النظر فإن مسار الدعوى سيطول. ويعطي ريبيك مثالاً على ذلك الدعوى في الرحلة رقم ٥٧٤ لشركة طيران آدم، التي تحطمت في كانون الثاني ٢٠٠٧، إذ عملت المؤسسة على هذه الدعوى مدة أربعة أشهر فتقاضت ٢٠ في المئة من التعويضات.
أنظار مؤسسة ريبيك لم تتجه إلى شركة بوينغ وشركة سي آي تي والخطوط الجوية الإثيوبية فحسب، بل أيضاً إلى شركة إعادة التأمين على الطائرة «لويدس أوف لندن» ومقرّها بريطانيا، وهي سوف تخوض نزاعاً على قيمة التعويضات التي ستدفعها، لكنها ليست طرفاً في الدعوى وفقاً للقانون الأميركي، رغم أنها تؤدي دوراً رئيسياً في مسار الدعوى. وفي النهاية، هذه الشركة تعرف تماماً أنها ستدفع، شركات التأمين وإعادة التأمين تستأنف الحكم لتكسب الوقت، والفوائد على الأموال التي ستدفعها في النهاية، وكلما كسبت وقتاً ستجني أرباحاً من الفوائد، لكنها ستدفع في النهاية، لا مفرّ من الدفع في النهاية»، يقول ريبيك ضاحكاً.
ماذا عن الأمتعة؟ هل تحقّقتم ما إذا كانت هناك أمتعة أو أغراض لأشخاص لم يكونوا على الطائرة؟ «بالتأكيد سنفعل»، يجيب، ففي قضية تحطم طائرة للخطوط الجوية السويسرية عام ١٩٩٨ دفع مبلغ خمسة ملايين دولار على فقدان لوحة لبيكاسو، وكانت قيمة هذا التعويض توازي مجموعة التعويضات التي حصّلتها عائلات الركاب. الأمتعة والأغراض لها تعويض مستقل، وهو غالباً ما يدفع أولاً، يجيب ريبيك.
إنها لعبة الوقت والمال إذاً، التي يتقنها جيداً ريبيك. رهانه الحالي على كسب المزيد من تواقيع عائلات الضحايا في أديس أبابا وبيروت، التي غادرها اليوم وسيعود إليها مرات عدّة على الأرجح.


اعلام حزب الله

يحرص المحامي الأميركي مانويل فون ريبيك على التأكيد أن مؤسسته لا تفرّق بين عائلات الضحايا لجهة الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي. هو يعرف أن الكثير من توابيت ضحايا الطائرة الإثيوبية لفّت بأعلام حزب الله. ما المشكلة في ذلك؟ يسأل ريبيك. لقد سبق لي أن رافعت عن ٢٥ عائلة إيرانية أمام المحاكم الأميركية والتقيت محامين إيرانيين، عيّنهم الرئيس محمود أحمدي نجاد للتنسيق معنا. الانتماء السياسي لا يقدّم أو يؤخّر أمام القضاء الأميركي، يقول ريبيك. ولكن ماذا عن سهولة الحصول على تأشيرات دخول لعائلات الضحايا اللبنانيين لحضور جلسات المحاكمة؟ الأمر غاية في البساطة، ففي حال امتناع دوائر الهجرة الأميركية عن إعطاء تأشيرات، فسنقدم التماساً أمام القاضي، وستكون السفارة الأميركية في بيروت ملزمة بمنح تأشيرات الدخول لكل عائلة نترافع عنها. وعلى حدّ علمي، ليس هناك بين عائلات الضحايا من ينتمي مباشرة إلى حزب الله :إلا إذا كانت فاطمة (مساعدته اللبنانية) تخفي عني أمراً ما!»، يقول ريبيك.