أحمد محسنأن يتعاطف المرء مع القضية الفلسطينية يعني أن العلاقة بينه وبينها إنسانية بالدرجة الأولى. طبعاً، يمكن أن يكون هذا تبسيطاً، لا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الصراع وتشعباته الثقافية. لكن، وبما أننا نتحدث عن اتهام بتطبيع العلاقات التي لا تطبّع، في قضية الأكاديمي ساري حنفي، وبعد السجال الحاد خلال اليومين الماضيين، يمكن القول إن البعض بالغ كثيراً. لا لأن الكتاب الذي يُستند إليه في الهجوم على الأكاديمي الفلسطيني لم يُقرأ بعد وحسب، بل لأن الخونة الحقيقيين يعيشون بيننا. بعضهم يتجسس على منازلنا. بعضهم يسمّي إسرائيل بالعدو فيما نعلم جميعاً أنه ليس صادقاً. بعضهم ينعت الفلسطينيين بالغرباء. بعضهم لم يكترث لطحن مخيّم نهر البارد. بعضهم قد يتوقف عن استعداء إسرائيل إذا توقف أسياده عن استعدائها. جميع هؤلاء بمنأى عن الاتهام، أما الباحث ــــ والبحث هنا فعل والفعل أفضل من الخطاب ــــ عن أخطار الصهيونية فمتهم بعدم مراعاة أصوات المعركة. والحقيقة الأنكى أن قياس الخيانة بالقانون هو سذاجة حقيقية. كلنا خونة بالمعنى السوسيولوجي العريض، لجهة تكاسلنا في بقاء المخيمّات على حالها. كلنا نقول ولا نفعل رغم المساحات المتاحة. وطبعاً، هذه الأفكار مهددة بالصرف على الطريقة اللبنانية، كأن تُزج في خانة المزايدة، ولهذا تستفيض نقاشاتنا في الغضب لمصلحة الشعار الدوغمائي على حساب العقل، بعدما يكون الغضب مفهوماً ومبرراً في البداية. الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة تل أبيب ليستا صديقتين. أي مواطن لبناني سيثور من علاقة كهذه إذا ثبت حصولها. وهو موقف أخلاقي بديهي، لا يقل شأناً عن المقاطعة الأوروبية للنازية وجميع مؤسساتها الجماعية. لكن، ربما يكون الأمر عادياً ولا يحتمل التعقيد. ثمة أشخاص يقولون إنهم ضد الفصل الصهيوني العنصري، وإنهم يعرفون أخطار الصهيونية جيداً. الأكاديمي الفلسطيني هو الآخر أتى من رام الله، وتالياً، يُفترض أنه يعرف الاحتلال جيداً وعايشه أكثر من بعض «المُتناضلين» هنا. وبعد هذه المعمعة، ربما تكون الأفكار في الكتاب تستحق القراءة. القراءة مفيدة قبل إطلاق المواقف الطنانة وكَيل المديح للأيديولوجيات العفنة. وعلى جميع «الثوريين» الغاضبين ألا ينسوا أن أقوى المصادر التي يستندون إليها في نقد عنصرية إسرائيل... هي مصادر غير عربية في أغلب الأحوال!