تعرض لبنان على مر التاريخ لأربعة زلازل مدمرة، بدءاً من عام 551 للميلاد و1202 و1759 و1837. الهزة الخفيفة التي سجلت في بحر صيدا لا تشبه البتة هذه الزلازل المدمرة، لكنها تعيد طرح السؤال الذي يشغل بال المهندسين والباحثين: هل ننتظر زلزالاً مدمراً لكي نتشدد في معايير السلامة العامة ونقر خطة وطنية لإدارة الكوارث ونتحقق من مواصفات منشآتنا العامة والخاصة؟
بسام القنطار
لم ينتبه كثيرون في صيدا والبلدات المجاورة للهزة الأرضية التي وقعت أمس، والتي رصدها «المركز الوطني للجيوفيزياء» ـــــ بحنس في الثانية وخمسين دقيقة فجراً، على بعد 50 كلم في البحر مقابل مدينة صيدا، وبلغت قوتها 3,8 على مقياس ريختر.
وبحسب الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية، الدكتور معين حمزة، فإن هذه الهزة التي شعر بها بعض سكان السواحل هي واحدة من ٥٠ هزة تحدث شهرياً نتيجة الفوالق البحرية النشطة، ولا يعلن مركز بحنس حوثها، بل يحتفظ بها ضمن قاعدة البيانات لديه لتحليلها والاستفادة من معلوماتها. وغالباً ما تكون قوة هذه الهزات بين ١,٥ و٣,٥ على مقياس ريختر ولا يشعر بها السكان.
إذاً، الفارق أمس عن الهزات العادية والمتكررة على مدار الشهر هو في أنها أقوى بنسبة ٠,٢. ويؤكد حمزة أنه لا شيء يدعو للقلق، وأن هذه الهزة لا علاقة لها بتاتاً بالهزة التي ضربت تركيا أو هايتي أو تشيلي، وأن جميع الشائعات التي سرت بشأن هذا الموضوع لا تمت إلى الحقائق العملية بصلة.
المفارقة العصية على الفهم أن ردة فعل السكان في صور على هذه الهزة كانت أقوى من رد فعل سكان صيدا الذين كانت الهزة أقرب إليهم. فالهزة، بالرغم من ضآلة حجمها وقوتها، إلا أنها أذكت المخاوف التي انتابت بعض الصوريين قبل أسبوعين بسبب توقع العراف مايك فغالي على شاشة «أو تي في» لـ«موجة تسونامي ستضرب المدينة»! فالشائعة التي خافها البعض، فاحتاط بالانتقال إلى بلدات مرتفعة عن سطح البحر، سخر منها آخرون ووجهوا اللوم إلى المصدقين والتلفزيون الذي سمح بنشر هذا النوع من الشائعات، ولم يقدم اعتذاراً عمّا سببه من ذعر. وبحسب حمزة، فإن هاتف المجلس الوطني للبحوث العلمية لم يتوقف عن الرنين إثر هذه الشائعة، ولم تنجح كل محاولات الطمأنة في تخفيف ردود الفعل لدى سكان مدينة صور بأن الخبر هو عار من الصحة ومجرد تشويق إعلامي. إلا أن للصوريين مصدر خوف آخر استجد لديهم بعد الهزة الأخيرة، يكمن في احتمال تكرار الهزات الأرضية بقوة متفاوتة كما اعتادوا. إذ إن منتصف شهر شباط قبل عامين شهد بداية مسلسل الهزات الذي توقف مؤقتاً قبل أشهر وبلغ أشده هزة بقوة خمس درجات.
تأليف لجنة وطنية للتحقق من جميع الأبنية العامة
الصياد مصطفى شعلان الذي يستند إلى عشرته الطويلة لبحر صور طوال ستين عاماً، يستبعد أن تضرب تسونامي المدينة، لكنه يقر باحتمال تعرضها للهزات على نحو كبير. فالرجل عايش زلزال عام 1956 حين اهتزت الأبنية وتضرر عدد كبير منها. وبالرغم من أن الهزات الأخيرة لم تكن بقوته، كما يقول، إلا أنها أحدثت تفسخات في منزله الحالي أكثر مما أحدثه ذاك الزلزال في منزل أهله. وعليه، فإن هزات أخرى محتملة «قد تزيد في التفسخ وتصبح الأبنية غير قابلة للسكن».
الصياد وجيرانه يتفقون على أن نوعية مواد البناء المستخدمة حالياً لا تصمد أمام الهزات، مثلما يجمعون على أن مؤسسات الدولة «لم ولن تمدنا بمقومات مواجهة الهزات». أكثر من يوافق على الأمر هم سكان مبنى شاهين الواقع قبالة الكورنيش الغربي للمدينة، الذي طلبت بلدية صور من سكانه قبل عامين تماماً إخلاءه لما يمثّله من خطر داهم عليهم وعلى المحيط. وبعد البلدية، أكد الأمر قسم الهندسة في الجيش اللبناني أثناء كشفه على المنازل المتضررة للتعويض على أصحابها. وما حصل هو أن السكان «لم يغادروا شققهم حتى اليوم، ولم يحصلوا على التعويض الموعود، ولم تراجعهم لاحقاً البلدية التي وضعت المبنى واثنين آخرين في المدينة في خانة الخطر» كما يقول أحد السكان عماد سويدان.
برأي حمزة، إن هذه الهزات يجب أن تمثّل حافزاً للحكومة اللبنانية لكي تسارع إلى تأليف لجنة وطنية للتحقق من جميع الأبنية العامة، وخصوصاً المدارس التي نفتقر إلى معلومات واضحة عن قدرتها على مواجهة هزات بقوة ٦ درجات على مقياس ريختر أو أكثر.
كذلك طالب حمزة بتقديم الحكومة حوافز إلى المواطنين ولجان الأبنية الذين يجرون تحقيقاً طوعياً على مساكنهم، ويرممون الخلل في حال وجوده، ومن ضمنها إعفاءات من الضريبة على الأملاك المبنية أو غيرها من الضرائب التي تفرض سنوياً على المباني السكنية.
نداء حمزة يلاقي النداء الذي وجهه نقيب المهندسين في بيروت بلال علايلي الذي طالب خلال مؤتمر صحفي عقد أوائل الشهر الماضي ببحث كيفية مواجهة أخطار الزلازل والحد من الخسائر البشرية والأرواح.
الرئيس السابق للجنة البيئة في نقابة المهندسين لطف الله الحاج أكد لـ«الأخبار» أن النداء الذي أطلقه النقيب لم يكن من قبيل المزايدة الإعلامية، بل مقاربة علمية للموضوع، ونداء من أجل الجهوزية. وبحسب الحاج، فإن الهزات الأرضية التي حدثت في العقود الماضية أدت إلى انهيار العديد من المباني والجسور والمنشآت، أو على الأقل إلى تضررها كثيراً. وطالب فضل الله بتطبيق معايير صارمة في رخص البناء لجهة التأكد من قدرة المباني على تحمل الهزات الأرضية.
وينص المرسوم 14293 المتعلق بالسلامة العامة على ضرورة توافر شروط السلامة العامة في مختلف الأبنية والمنشآت العامة والخاصة. لكن المشكلة أنه يجري التهرب من مفاعيله أحياناً لجهة التشدد في تحديد الشروط الفنية العامة والتدقيق الفني الإلزامي في المباني الجديدة.
ويفرض المرسوم إعادة ترميم كل منشأة عامة يتردد عليها أكثر من ٣٠٠ شخص يومياً. ويفرض كذلك مراقبة تبدأ من مراحل التصميم الأولي وحتى مراحله النهائية وتشمل مراجعة الخرائط والتصميمات وفحص المواد المستعملة ثم مراقبة الإنشاءات ومعاينتها وفحصها المستمر بعد انتهاء الإنشاءات ولحين تسليمها. كذلك يفرض المرسوم على المكاتب الاستشارية التأمين المهني.
(شارك في التغطية: آمال خليل)