سوء التقدير في أثناء التحقيق في جريمة أوصل إلى جريمة أخرى. قُتل المشتبه فيه بقتل أربعة أشخاص في كترمايا وظهرت نتائج تحليلات الـ DNA قبل الموعد المفترض، لكن التحقيق لم يُقفل بعد.
رضوان مرتضى
لم تثبُت إدانة المشتبه فيه الذي وقع ضحية تهوّر القوى الأمنية، رغم إعلان قوى الأمن الداخلي نتائج تحليلات الـ DNA، وهنا نذكر أن السلطة القضائية وحدها تملك صلاحية الإدانة. كذلك لم يصدر حتى الآن أمر عن القضاء بتوقيف الأشخاص الذين قتلوا المشتبه فيه محمد مسلم ونكّلوا بجثّته، رغم أنهم باتوا معروفين. المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أوقف ضابطين مسلكياً، هما الرائد مروان الرافعي والملازم أول هشام حامد. في خطوة استباقية لأي إجراء قد يُتّخذ، هدّد رئيس بلدية كترمايا محمد حسن الدولة بأنه لن يسكت إذا أُلقي القبض على أحد من بلدته لأنه «لا مطلوبين للعدالة في كترمايا».
إذاً، صدرت أمس نتائج فحوص الحمض النووي عن المختبرات الجنائية في قسم المباحث العلمية التابع للشرطة القضائية، فجاءت الدماء الموجودة على القميص الذي ضُبط في منزل المشتبه فيه مطابقة لدماء الضحية (الجدّة). أما الدماء التي عثر عليها على نصل السكين المضبوط فجاءت مطابقة لدم الطفلة زينة، وفق ما أوردت القوى الأمنية. كذلك أثبتت الفحوص أيضاً أن الآثار الموجودة على قبضة السكين تحوي مزيجاً من العرق والدماء، يعود جزء منها للمشتبه فيه. لكن اللافت أن نتيجة التحليل حثّت عدداً من قادة قوى الأمن على الجزم بأن مسلم هو مرتكب الجريمة من دون التمهّل حتى انتهاء التحقيق، رغم المعلومات الأمنية، التي حصلت عليها «الأخبار»، والتي تشير الى أن اعتراف المشتبه فيه كان ركيكاً ولم يكن واضحاً لوجود تناقضات عدة في إفادته. هذا إذا ما استُثني احتمال أن تكون المضبوطات قد دُسّت في منزل المشتبه فيه من قبل مجهول، أو فرضية أن يكون هناك شريك في الجريمة.
لم يصدر حتى الآن أمر عن القضاء بتوقيف الأشخاص الذين قتلوا المشتبه فيه
علمت «الأخبار» من مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى أن فرع المعلومات أوقف المشتبه فيه محمد مسلم بناءً على إشارة القضاء، فأحيل الموقوف إلى فصيلة درك شحيم التي لم تتولّ التحقيق وحدها، إذ ساهمت فيه مفرزة بعبدا القضائية بإمرة الرائد مروان الرافعي، وكان ذلك يجري بإشراف القضاء. قرر الرائد المذكور، بعد التشاور مع رؤسائه، أخذ الموقوف الى موقع الجريمة للدلالة، فاتصل بالنائب العام الاستئنافي كلود كرم ليأخذ الإذن بذلك. وبدوره اتصل كرم بالرئيس سعيد ميرزا ليسأله، فردّ الأخير بضرورة الانتظار حتى يتم دفن الضحايا كي لا يحصل مكروه للموقوف بفعل التوتّر الموجود. كلام ميزرا صار معلوماً لدى الرائد الرافعي، لكن الأخير عاود الاتصال بالنائب العام الاستئنافي ليطلب الإذن لأخذ المشتبه فيه ليقوم بالدلالة، فوافق كرم. لكن المسؤولين الأمنيين لم يوضحوا ما إذا كان النائب العام الاستئنافي قد اتّصل بالرئيس ميرزا.
اقتيد المشتبه فيه الى البلدة للدلالة، بمؤازرة دورية مؤلفة من عدد قليل من العناصر. ضمّت الدورية آمر مفرزة بعبدا القضائية الرائد مروان الرافعي، يعاونه أربعة عناصر (المؤهل أنور أ. والمعاون عمر أ. ومجنّدان). كما ضمّت آمر فصيلة درك شحيم الملازم أول هشام حامد وسائقه، باعتبار أن الموقوف لا يزال في عهدة الفصيلة. وصلت الدورية الى البلدة، لكن الخبر كان قد سبقها، اعترضها الأهالي واعتدوا بالضرب على المؤهل والمعاون اللذين كانا يقتادان الموقوف.
في هذا الإطار، ذكر مسؤول أمني لـ«الأخبار» أنه أثناء وجود العميدين أنور يحيى وأنطوان شكّور في مقر فصيلة شحيم، وبعد اتخاذ قرار سوق الموقوف الى البلدة للدلالة، قال ضابط برتبة رائد للعميدين «الوضع غير جيد في البلدة، فلا تأخذوا الموقوف إليها سيّدي».
إذاً، اقتيد الموقوف الى البلدة وحصل ما حصل بسبب سوء تقدير الموقف لدى كل من الضباط القادة والنائب العام الاستئنافي.
يشار الى أنه في حالات مماثلة، ووفقاً للمادة 44 من قانون أصول المحاكمات الجزائية في الجريمة المشهودة، يفترض أن يقود النائب العام الاستئنافي التحقيق، فيصبح الضابط كاتباً لدى النائب العام. لكن هذا ما لم يحصل في هذه الجريمة، إذ إن النائب العام الذي بقي في فصيلة شحيم حتى فجر أول من أمس، لم يتولّ التحقيق بنفسه، تاركاً الأمر في عهدة الضابط. كذلك تجدر الإشارة الى أن ثمّة عُرفاً متّبعاً بين القضاة وضبّاط قوى الأمن، ينص على أن يبقى الملف لدى الفصيلة الإقليمية ما بين 48 ساعة و72 ساعة. وفي حال عدم توصل التحقيق الى نتيجة، يُحال الملف على مفرزة الشرطة القضائية للتوسع بالتحقيق. إلا أن اللافت في القضية، بحسب مسؤولين أمنيين، أن الملف كان لا يزال في عهدة الفصيلة، في الوقت الذي كانت فيه مفرزة بعبدا القضائية تُساهم في أصل التحقيق واستجواب المشتبه فيه وسوقه الى البلدة بناء على إشارة القضاء.
المعلومات المذكورة تشير الى أن القضاء يتحمّل جزءاً من المسؤولية، لكنها لا تُعفي القوى الأمنية من مسؤوليتها لجهة التقصير الفاضح عن قيامها بواجبها في توفير الحماية للمشتبه فيهم، علماً بأن عدداً من الجرائم جرى تمثيلها بحضور أكثر من 40 عنصراً من قوى الأمن الداخلي للغاية نفسها.


ريفي يحذّر رجال الأمن: احموا الموقوفين

أصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي نشرة توجيهية لكل العناصر، ذكّرهم فيها «بالواجب القانوني والمهني والإنساني الذي يقع على عاتقهم لجهة حماية الجاني أو المشتبه فيه عند توقيفه مهما كانت الجريمة المرتكبة»، وجاء فيها: «بتاريخ 28/4/2010 وفي بلدة كترمايا حصلت جريمة قتل مروّعة ذهب ضحيتها أربعة مواطنين أبرياء (يوسف نجيب أبو مرعي مواليد عام 1932 وزوجته والطفلتان أمينة محمد الرواس 9 اعوام وزينة محمد الرواس 7 اعوام)، أشاعت جواً من الغضب لدى المواطنين في كل أنحاء الوطن ولا سيما منطقة إقليم الخروب. بنتيجة المتابعة الأمنية من قبل قوى الأمن الداخلي، أميط اللثام عن هوية المجرم، فتم توقيفه في غضون ساعات واعترف بجريمته النكراء، وهذا ما ثبت بنتيجة تحليل الحمض النووي. إن سوء تقدير الموقف الميداني وعدم توقّع التداعيات التي قد تنجم من جراء التسرع في تنفيذ إجراءات الإثبات لجريمة شنعاء كالتي نحن بصددها، أديا الى وصول المواطنين الغاضبين الى الجاني وقتله».


لقطة

مسؤول رفيع في الدولة قال لـ«الأخبار» إن اجتماعاً عُقِد في مكتب المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، وحضره النائب العام الاستئنافي كلود كرم وقائد الشرطة القضائية أنور يحيى وعدد من الضباط والقضاة. وأشار المسؤول المذكور الى أن مواجهة وقعت بين العميد يحيى والقاضي كرم، قال فيها قائد الشرطة القضائية للقاضي كرم: «لديّ أدلة تُثبت بأن هناك أمراً منك لنقل الموقوف»، في إشارة منه الى أن هناك سجل مكالمات وبرقيات بحوزته يُثبت ذلك، وذكر مصدر رفيع في وزارة الداخلية أن التحقيقات تشير إلى أن الرائد الرافعي تلقى أمراً من النائب العام الاستئنافي كلود كرم بنقل المشتبه فيه.وعلمت «الأخبار» أن وزير العدل إبراهيم نجار أنكر أمس أمام مسؤولين الكلام الذي قاله لـ«الأخبار» بشأن عدم إعطاء القضاء الإذن للقوى الأمنية بتحريك الموقوف