تغيب العاقورة عن خريطة الصرف الصحّي، فيعمد أبناؤها إلى حفر «جور» صحيّة على طريقتهم. هكذا يتسرّب قسم من المياه الآسنة إلى مجرى نهر ابراهيم ويفيض قسم آخر على الطرقات العامة. تنتظر البلدة اليوم شبكة صرف صحّي ومحطّة لتنقية المياه المبتذلة
العاقورة ــ جوانّا عازار
«بلاد الميّ وما عنّا ميّ»، تقول بغضب ماري الهاشم من حي العربة في العاقورة. فالحيّ يقع عند الحدود مع بلدة اللقلوق ولا تصله مياه الشفة. تكاد الهاشم لا تصدّق كيف «لا تصل المياه إلى منازلنا في القرن الواحد والعشرين». يملأ أهالي الحي «غالونات» المياه ويردّدون باستمرار «أوعا الميّ، انتبهوا عالميّ». تطالب ماري بتأمين البنى التحتيّة الضروريّة للبلدة.
وفي هذا الإطار، يشير المختار بطرس الهاشم إلى أنّ دراسات أنجزت لمدّ خطوط المياه في المكان، لكنّ المشروع توقّف بسبب غياب التمويل اللازم له.
مشكلة أخرى يتحدث عنها المختار وهي تسرّب المياه الآسنة الى أحد خطوط مياه الشفة خلال الصيف الماضي. يومها تلوثت المياه وأصيب مئة شخص، يعتمدون مباشرة على هذا الخط، بحالات تقيؤ وإسهال، إضافة إلى صداع وانحطاط في الجسم. وبعد تدخّل نواب المنطقة، عمدت الجهات المعنية إلى تغيير الشبكة الداخليّة لخطوط مياه الشفة، فيما لا يزال ينقص تغيير مسافة نحو 500 متر من الخطّ الرئيسي لتصبح أماكن السكن بمأمن عن التلوّث.
وقد حصل أهالي البلدة، بحسب المختار، على وعد بمتابعة الأمر عبر وزارة الطاقة والمياه.
يذكر أنّ التلوث لم يوفر مياه عين العاقورة، وهي المكان التراثيّ الذي كان يجتمع فيه الأهالي «تيملّوا الميّ».
مطالبة بتمويل وصول مياه الشفة إلى أحد أحياء العاقورة
الهاشم يشرح كيف تتسرّب المياه الآسنة من «الجور» الصحيّة التي أنشأها الأهل على الطرقات العامّة، وتسبّب تكاثر البرغش وانبعاث روائح كريهة في المكان، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض والميكروبات. أما المشكلة الأكبر فتكمن في «الجورة» المشتركة التي أنشأها عدد من الأهالي في البلدة. وهنا يلفت المختار إلى تحوّل مياه «الجورة» حين تمتلئ إلى مجرى نهر الخسفة الذي يلتقي بمجرى نهر الرويس ويتحوّل إلى النهر الأساسي، أي نهر ابراهيم.
يأسف الهاشم كيف «نطالب بحلّ قضايا إقليميّة وعالميّة ونعجز عن حلّ مشكلة المياه في ضيعنا»، مؤكداً أنّ حلّ التلوّث في العاقورة، يسهم في المحافظة على صحّة أهل جبيل وكسروان.
كذلك ينتظر جميع الأهالي حلاً شاملاً يزيل «الصرف الصحي» من أمام المنازل والطرقات العامّة. وفي هذا الإطار، يقول الشاب طراد ياغي الذي يزور بلدته العاقورة أيّام الأعياد وفي عطلة نهاية الأسبوع، ويمضي فيها فصل الصيف، إنّ «أبناء العاقورة متعلّقون بها الى حدّ كبير، فهم يتوارثون حبّهم لها أباً عن جدّ، وهذا ما يدفعهم إلى البقاء فيها وزيارتها باستمرار حتّى بالنسبة إلى الشابات العاقوريّات اللواتي يتزوّجن أشخاصاً من خارج البلدة».
وعن مشكلة الصرف الصحيّ، يضيف ياغي: «بالنسبة إلينا استحدثنا جورة جديدة بعدما غيّرنا القديمة على نفقتنا الخاصّة لأنّها أصبحت غير صالحة»، مشيراً الى أنّ المشكلة أثّرت عموماً على عدد كبير من أبناء البلدة، حتّى إنّ خاله الذي يسكن فوق كنيسة البلدة لم يعد يتوجّه الى منزله منذ أربع سنوات بسبب غياب «الجورة» الصحيّة في المكان. ويقول: «الضيعة هي في أعلى الجبل، وبالتالي التلوّث فيها يؤثّر على كلّ ما يقع تحتها، وهنا المشكلة الأكبر».
ياغي ليس الوحيد الذي يمضي الصيف في العاقورة، فهناك نحو أربعة آلاف شخص «يصيّفون» في بلدة العاقورة، من أطفال وشباب، ويعانون منذ فترة مشكلة تصريف المياه المبتذلة.
يبقى أنّه خلال انعقاد المؤتمر الثاني للجنة إنماء بلاد جبيل في كانون الأوّل الماضي، تلقّى فاعليّات البلدة وأعضاء مجلس بلديتها وعداً من رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر بإنشاء شبكات صرف صحّي ومحطة لتنقية المياه المبتذلة في البلدة. ويعمل هؤلاء اليوم على إعادة الموضوع إلى الواجهة ومخاطبة مجلس الإنماء والإعمار من خلال وزارة الداخليّة والبلديّات لإدراج الموضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء لكونه يحتاج الى تمويل. هدف العاقورييّن الأسمى هو أن يحفظوا العاقورة، اللفظة السريانيّة المؤلفة من كلمتين «عين أورو»، ومعناها العين الباردة.