شهدت قصور العدل في لبنان عملية تنظيف في الفترة الأخيرة، الورشة في قصر بيروت انتهت، وإن كانت النتيجة ليست ممتازة إلّا أن المتجوّل في القصر سيلحظ تغييراً كبيراً، هذا التغيير طاول مختلف الأروقة والقاعات والجدران
محمد نزال
المشهد لا يسر النظر، عبارة كانت تتردد على ألسنة كثيرين يدخلون قصور العدل في لبنان، الملاحظة كانت مرتبطة بحالة النظافة المزرية، أعقاب السجائر منتشرة في كل الأروقة، إضافة أحياناً إلى أوراق وغبار كثيف على الأرض، جدران بات لونها أقرب إلى الأصفر، فيما هي مطلية أساساً باللون الأبيض، بقع «الأوساخ» تغطي الأرض الرخامية، أما زجاج نوافذ قاعات المحاكمة، فتكاد أشعة الشمس أن تكون عاجزة عن اختراقها، لكثرة ما تراكم عليها الغبار، فضلاً عن رائحة المياه المتعفنة التي تتسرب من الأسقف والجدران. هذا جزء من المشهد السابق والحالة التي كانت عليها مباني قصور العدل في لبنان، وتحديداً قصر العدل ـــــ بيروت الذي يضم مكاتب أرفع المجالس والهيئات القضائية، والذي يجاور مبنى وزارة العدل. الكلام عن النظافة «الغائبة» عن قصور العدل تردد غير مرة، وقد سُجلت شكاوى المواطنين المتقاضين والزائرين، بل إن بعض القضاة والموظفين لم يخفوا معاناتهم من غياب عمليات التنظيف المستمرة والجدية في مكاتبهم وداخل قاعات المحاكمة. يُشار أيضاً إلى أنه لطالما اشتكى مواطنون من المياه المبتذلة التي «تنش» على رؤوسهم، أثناء حضورهم الجلسات.
أخيراً، وبعد تفاقم الحالة، قررت وزارة العدل الشروع بورشة تنظيفات شاملة داخل قصور العدل، فكانت البداية من قصر عدل بيروت. جالت «الأخبار» في جميع ردهات القصر وأروقته، المؤلف من أربع طبقات. الفرق أصبح واضحاً، وإن لم تكن عملية التنظيف الجديدة بالمستوى المطلوب بعد، لكن «لا بد في البداية من اتخاذ خطوة، لتتبعها خطوات مماثلة لاحقاً» على حد قول أحد المسؤولين العدليين. تلاشت بقع «الكمخ» عن الأرض، ليحل اللمعان محلها بعد عملية «جلي بلاط» شاملة. عاد البياض إلى الجدران بعد «حفلة طرش»، ستتكرر دورياً وكلما دعت الحاجة إلى ذلك. أما مشكلة أعقاب السجائر المرمية على أرض باحة «الخطى الضائعة»، فربما لن يكن لها حل «ما دام هناك من يدخّن ويرمي سجائره على الأرض، ولذلك أتمنى لو تصدر الوزارة قراراً بمنع التدخين داخل القصر» بحسب ما قال أحد العاملين في الورشة القائمة، ولكنه يعد بعدم رؤية أعقاب السجائر وغير ذلك من الأوساخ على الأرض، بعدما خُصص فريق عمل بداومين، صباحي ومسائي، فيجول عمّال التنظيفات بثيابهم الفوسفورية «بالمكنسة والمجرود» دائماً، رصداً لأي نفايات مستجدة.
استُكملت الورشة قبل يومين، بعد نحو شهرين من الشروع بها، داخل قصور العدل في بيروت وبعبدا وجديدة المتن، على أن تبدأ لاحقاً في المناطق الأخرى، بحسب ما أكّد وزير العدل إبراهيم نجّار لـ«الأخبار». ويعد نجار بالإشراف مباشرة على أعمال التنظيفات، بحيث يجري «كبسات» فجائية على الأعمال الجارية، وهذا ما فعله قبل يومين فوجد «اللمعان والنظافة بادية لكل ناظر، بعدما كان المنظر مخجلاً، أما اليوم فمن يرد أن يتأكد فما عليه إلا القيام بزيارة». لزّمت وزارة العدل أعمال التنظيفات لشركة خاصة، تُدفع رواتب الموظفين فيها من ميزانية الوزارة. يتحدث المسؤولون في قصر العدل عن مشاكل عديدة حصلت سابقاً مع شركات التنظيف المتعهدة، ولذلك فقد وُضعت شروط مشددة على الشركة الحالية، داعياً المواطنين والعاملين في قصور العدل على حد سواء، إلى التقيّد بضوابط الحفاظ على النظافة.
أحد المواطنين المتاقضين أصر على «الأخبار» تدوين رأيه، فقال وهو واقف على باب المحكمة: «النظافة جيدة ومطلوبة، ولكنها ليست أولويتي الآن. كل ما أريده أن تكون الأحكام القضائية نظيفة».


«بورتريه» لفريق العمل

يتألف فريق عمل التنظيفات في قصر عدل بيروت، من 22 عاملاً و 3 مراقبين. العمّال يرتدون «جيليه» فوسفورية، أما المراقبون فيرتدون ثيابياً رمادية. يحملون بأيديهم أجهزة لاسلكية للتواصل في ما بينهم كلما دعت الحاجة. ويشرف على الفريق مباشرة مسؤول الشركة المتعهدة المهندس كارل فغالي، الذي أبدى حماسة شديدة أثناء تجواله مع «الأخبار» في الممرات والأروقة، لإثبات «جدية» فريقه. يقول فغالي متحدياً «يمكنكم إخبارنا عن أي زاوية تريدون التأكد من النظافة فيها، ونحن مستعدون لمرافقتكم إليها». أما عن الحمامات الموجودة في القصر، فقد شملتها حملة التنظيفات «بعدما كان يشمئز كل من حاول الدخول إليها»، ويضيف المهندس أن فريقه مسؤول عن أعمال النظافة، أما عن الشكل والتجهيزات «فهذا خارج عن اختصاصنا».