تابع السجين السابق في ألمانيا ياسر الشريدي، عبر وسائل الإعلام، قضية التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقرّر أخيراً التوجه إلى مكاتب «الأخبار» ليروي قصته الخاصة مع الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس
عمر نشابة، زينب زعيتر
سافر الفلسطيني ياسر محمد الشريدي إلى ألمانيا عام 1977 «لتأمين مستقبله»، ولم يكن يعرف أن البحث عن لقمة العيش سيقلب حياته، وستسير الأمور بما يجعل اسمه مرتبطاً بأسماء اشتهرت في لبنان في قضية التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بين هؤلاء الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس.
لم يتوقف الشريدي، وهو في ألمانيا، عن المشاركة في نشاطات دعم الفلسطينيين واللبنانيين ضد الاعتداءات الإسرائيلية. نشاطه هذا حرمه فرصة الحصول على اللجوء السياسي في ألمانيا.
وُظّف عام 1983 سائقاً في السفارة الليبية في برلين الشرقية. خمس سنوات قضاها في وظيفته هذه إلى أن أُبعد قسراً عن عمله عام 1988.
يذكر الشريدي أن رجال «الشتازي» (استخبارات ألمانيا الشرقية) استجوبوه في «بيت الضيافة» التابع للحكومة الألمانية الشرقية، وهناك طُلب منه أن يرحل عن البلاد «لأنّ ثمة جهات تحاول تصفيته، قد تكون تابعة للموساد أو للأميركيين أو لألمانيا الغربية»، أما سبب الاشتباه فيه، فهو «قضية تفجير ملهى لابيل، وقضايا قتل وإرهاب».
يقول الشريدي «إن السفارة الفلسطينية كانت تحاول أيضاً الضغط على ألمانيا الشرقية، لهذه الأسباب رأت السفارة الليبية أني سأكون عبئاً عليها، وقررت إيقافي عن العمل فوراً».
طلب ميليس من السلطات اللبنانية التحقيق مع الشريدي في قضية قتل المواطن الليبي، وجرت تبرئته لاحقاً
غادر ياسر الشريدي ألمانيا وعاد إلى لبنان، تزوج ورزق ولداً، وعمل في ملحمة في مخيم عين الحلوة، لكنّ مرحلة «الاستقرار» هذه لم تدم طويلاً. عام 1990 اتهمه المدعي العام في برلين ديتليف ميليس بقتل مواطن ليبي في ألمانيا، وأصدر الأنتربول مذكّرة توقيف بحقه، وبحسب الشريدي فقد يكون ميليس حصل على اسمه من عملائه ومن «الشتازي».
وفي أواخر عام 1992، طلب القاضي الألماني من السلطات اللبنانية التحقيق مع الشريدي في قضية قتل المواطن الليبي، وجرت تبرئته من هذه التهمة لاحقاً. لكن في 1993 كان الشريدي يتقدّم من السلطات المختصة في لبنان لتسوية بعض المعاملات، فأُلقي القبض عليه، وقضى أربع سنوات متنقّلاً بين السجون اللبنانية في صيدا وصور وبيروت ورومية. وهكذا، قابل الشريدي ميليس لأول مرة في المركز الرئيس للشرطة القضائية في بيروت، وذلك في إطار بعثة ألمانية قدمت إلى لبنان، وجرت المقابلة في مكتب قائد وحدة الشرطة القضائية اللواء عصام أبو ذكي.
خلال التحقيق لم يُسمح للشريدي بتوكيل محامٍ، وقد حضر التحقيق إلى «ميليس وأبو زكي العقيد ناجي الهادي، رئيس الشرطة القضائية في الجنوب، والمترجم الرائد جوزف الحجل وشميلوز، لكن كان ميليس وحده هو من يطرح الأسئلة، طلب مني التعرف إلى بعض الأسماء»، يقول الشريدي «لكنّ السؤال الرئيسي كان عن علاقتي بتفجير لابيل».
في عام 1996صدر مرسوم جمهوري قضى بتسليم الشريدي إلى ألمانيا، وكان معه على متن الطائرة «مندوبون من الحكومة اللبنانية، وشميلوز ورجل آخر من جانب ميليس». فور وصوله إلى برلين أودع سجن «موأبي»، وعيّن شتروغر ـــــ النائب عن الحزب الأخضر ـــــ محامياً للشريدي.
وبعد 48 ساعة من دخوله السجن قابل الشريدي ميليس للمرّة الثانية. يقول الرجل الفلسطيني «جاء ميليس وبرفقته شميلوز، وطلب مني أن أقول إن (السلطة في) ليببا وراء التفجير، وإنّ القرار بذلك متخذ من (الرئيس) معمّر القذافي، وإذا استجبت فسأمكث في السجن سنتين أو ثلاث سنوات وبعدها أعود إلى أهلي وأختار البلد الذي أريد أن أسكن فيه».
رفض الشريدي العرض، وشدّد أن لا علاقة لليبيا بتفجير لابيل، وأكّد في التحقيق أنه عرف بالتفجير ممّا قرأه في الصحف وشاهده في نشرات الأخبار.
«لم يكن ميليس وحده من عرض عليّ (الشريدي) أن أدّعي أن ليبيا وراء التفجير»، إذ إنضم إلى «حملة المطالبة هذه»، بحسب الشريدي «شميلوز وغيرهارد ليمان (الذي شارك لاحقاً في تحقيقات ميليس في جريمة اغتيال الحريري)».
ويضيف «قابلت ميليس في السجن 9 مرات، وفي كل مرة كان يعرض فيها عليّ الصفقة نفسها، كذلك الأمر بالنسبة إلى شميلوز، الذي عرض الصفقة 6 مرات. أمّا ليمان، فطلب منّي أن أختار الجنسية التي أريد، والبلد الذي أريد مقابل هذا الاعتراف. ولم يسمحوا للمحامي الخاص بي بأن يتدخّل على اعتبار أنّه يعطّل عليهم الصفقة».
يقول الشريدي «كان القاضي في المحكمة مارهوفر يريد أن يطلق سراحي إذا لم يثبت اشتراكي في التفجير، فما كان من ميليس إلّا أن طلب منه مهلة، استعان خلالها بعملاء ليقولوا إنّني ضالع في التفجير مقابل صفقة ما، ومنهم بالتحديد شخصان هما علي ش. ومصباح ع، فقد التقى ميليس مصباح في مالطا أواخر 1996، وطلب منه أن يعترف على الشريدي، واعترف. أمّا علي، فهو رجل فلسطيني يحمل الجنسية الألمانية كان يتعامل مع «الشتازي» ويعمل في الاستخبارات الشرقية والغربية «وربما الإسرائيلية» بحسب الشريدي.
في المحكمة لم يُؤخذ أولاً بإفادة مصباح وعلي لأنّهما في البداية كانا شاهدين، ولكن عندما تحوّل هذين إلى متّهمين بتفجير لابيل أُخذ بإفادتهما ضد الشريدي».
لم يرَ الشريدي ميليس مجدداً حتى عام 1998 في المحكمة، ثم شاهده خلال المرافعة الأخيرة في 2 تشرين الأول 2001 «تحدث ميليس عن سوريا وليبيا وإيران، وأتى بالإشارة إلى أن إيران وسوريا ضليعتان بالإرهاب المنظّم ضد القوات الأميركية»، وصدر الحكم النهائي بسجن الشريدي 14 عاماً. خرج الشريدي من السجن قبيل عدوان تموز 2006، وحينها كان ميليس في لبنان للتحقيق في جريمة اغتيال الحريري.


لقطة

تردّد الشريدي كثيراً في حديثه لـ«الأخبار» عن تفجير لابيل، فقال بدايةً «أنا لا أنفي ولا أؤكّد إذا كنت قد نفّذت التفجير في الملهى الذي يرتاده الجنود الأميركيين أو لا، الحكم باطل، ميليس اشترى شهود زور، اعترفوا واعترف محاموهم بالتعامل مع الأميركيين أو مع الموساد»، ثم عاد الشريدي أخيراً لينفي ضلوعه في تفجير لابيل. يقول الشريدي «عرف ميليس بعدها أنّني في لبنان، لم يتصل أحد بي، ولو اتصل أحد فلن أجيب». ويضيف الرجل إنّ «مندوبي بعض الصحف اللبنانية اتصلوا به، «كانوا يريدون مني الإشادة بميليس ولم يُنشر شيء مما قلته لأنه لم يكن في مصلحتهم. قلت لهم احذروا ميليس، وأخبروا آل الحريري بأنه «سيروّح» دم الحريري. قلت إنّ ميليس ومعاونه غيرهارد ليمان (الصورة) سيشتريان شهود زور».