خطابات لا تجدها طريقها للفعل، هذا ما حظي به الأسرى في سجون الاحتلال من اللقاء الذي عقد في بيروت أمس. لم يخرج الاجتماع عن التقليد المعتمد في الملتقيات التي تُعقد بشأن القدس وحق العودة وتحرير الجولان والتضامن مع المقاومة. الوجوه نفسها واللجان التحضيرية نفسها ودائماً يرفع شعار «تعريف أبناء الأمة وأحرار العالم بحجم المعاناة واستنهاض الجهود» الذي لا يبدو قابلاً للتطبيق
بسام القنطار
انطباع ثقيل بالرتابة والتكرار، طغى على الاجتماع التحضيري «للملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال»، الذي عُقد أمس في فندق البريستول في بيروت. حتى الأرقام التي قُدمت، هي نفسها لم تخضع للتحديث. فشعار «الحرية لـ١١ ألف أسير في سجون الاحتلال» الذي حُفظ عن ظهر قلب، لم يعد قابلاً للتصريف، إذ لم يكلّف الداعون أنفسهم حتى تحديث الرقم! فالتقرير الشهري الصادر أمس عن «التجمع للحق الفلسطيني» يشير إلى أنّ عدد المعتقلين والأسرى في سجون الاحتلال بلغ «حوالى 8200 أسير ومعتقل». نحن إذاً أمام فارق يبلغ 2800 أسير محرّر، يستحقون أن يُحذفوا من التقارير التي لم يكلف معدّوها عناء التعريف بوجوههم وأسمائهم واكتفوا دائماً بمحاولة تعدادهم.
الهدف الذي يتبناه الملتقى (الذي دعا إليه المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن ويرأسه معن بشور) هو «حشد أكبر عدد ممكن من الهيئات المعنية بحقوق الإنسان وأوضاع الأسرى في عمل مشترك بهدف نصرتهم وإطلاق سراحهم».
لكن الحضور، رغم تنوعه العربي والدولي، افتقد هذه الهيئات التي تعمل معظمها في الضفة وغزة، وفي العديد من العواصم الأوروبية، وتحديداً في جنيف، المقر الأوروبي للأمم المتحدة وعاصمة حقوق الإنسان في العالم، حيث تتمركز مقارّ المفوضية السامية لحقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولي، واللجان المعنية بمناهضة التعذيب والاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة، وغيرها من آليات حقوق الإنسان.
ورغم أنّ الجهة الداعية للملتقى حدّدت النصف الأول من شهر كانون الأول المقبل موعداً لانعقاده، فإنّ بشور أوضح أن «مكان انعقاد الملتقى لم يُحدّد بعد (!) علماً أن طلباً قدم إلى الحكومة الجزائرية للاستضافة، مع عدم استبعاد انعقاده في إحدى الدول الأوروبية إذا توافر التمويل».
هدف آخر حدّده الملتقى لنفسه ويبدو هو الآخر غير قابل للتطبيق، حين دعا الجامعة العربية إلى «تحمل المسؤولية إزاء هذه القضية». ومن المعلوم أنّ القمة العربية العشرين التي عُقدت في سوريا أواخر آذار من عام 2008، اتخذت قراراً نص على أن يكون السابع عشر من نيسان، يوماً عربياً في كل الدول العربية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين والعرب عموماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وكالعادة لم تعتمد الجامعة خطة فعلية لترجمة هذا القرار. ومن البديهي التنويه بأن القمة الـ22 في سرت وسابقتها في الدوحة، لم تناقشاه، ممّا أبقاه حبراً على ورق.
ومن المعلوم أنّ الشعب الفلسطيني بفئاته المختلفة يحيي في السابع عشر من نيسان من كل عام «يوم الأسير الفلسطيني» الذي اعتمده المجلس الوطني الفلسطيني في دورته عام 1974، وهو الفعالية الوحيدة التي لا تزال توحد مختلف القوى الفلسطينية، رغم الانقسام السياسي والجغرافي الحاد الذي وقع الفلسطينيون في شركه منذ خمس سنوات.
لم يُحدَّد بعد مكان الملتقى رغم تحديد موعده
الناشط في قضية الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية، ميسرة ملص أكد لـ«الأخبار» أنّ الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يتعرضون لحملة مضايقات منظمة وجملة انتهاكات ممنهجة وجرائم إنسانية هي الأشرس والأوسع منذ سنوات طويلة، ولربما هي الأخطر منذ عام 1967، ولا سيّما أنها تحظى بإجماع إسرائيلي وبمشاركة كل الجهات الحزبية والقضائية والقانونية والسياسية الإسرائيلية. ولفت ملص إلى أنّ مبادرة الملتقى التي طُرحت أمس في بيروت، يجب أن تتخذ طابعاً دولياً حقيقياً، وتنقل القضية إلى المحافل الدولية، وأن لا تغفل عن وجود أسرى سوريين وأردنيين وحتى سعوديين في السجون الإسرائيلية.
يطرح الملتقى أيضاً مبادرة إنشاء هيئة عربية عالمية متخصصة بقضية الأسرى ومتعاونة مع الهيئات والمؤسسات القائمة. إلا أنّ هذه المبادرة تبدو تكراراً للمبادرة التي أعلنها أواخر شهر كانون الثاني الماضي الأسير السابق، الباحث المختص في شؤون الأسرى المقيم في غزة، عبد الناصر فروانة، التي أفضت إلى تأليف منتدى فلسطيني ـــــ عربي ـــــ أوروبي، ومقرّه الرئيسي في باريس، لدعم الأسرى ومساندتهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي. كما غاب عن اللقاء أيّ ذكر للحملة التي أطلقتها منظمة أنصار الأسرى العاملة في رام الله، عبر تنظيم حملة «المليون بريد إلكتروني» للتعريف والدعم للأسرى القدامى وعمدائهم في السجون الإسرائيلية. ولقد بدأت الحملة منذ قرابة العام باختيار عدد من الأسرى القدامى، وبث سيرتهم النضالية بطريقة مقتضبة ومختصرة تضمن تعريفهم ولفت الأنظار إعلامياً وإنسانياً إلى معاناتهم اليومية، التي يعيشها أكثر من 115 أسيراً تجاوزت فترات اعتقالهم العشرين عاماً، في ظل التهافت والاهتمام والمناشدات الإعلامية والعالمية للإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز في غزة منذ أربع سنوات.
وفيما لا تزال مؤسسة «ولد للحرية» الإسرائيلية تروّج بطريقة غير مسبوقة لجائزة العشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد. تعاني «مؤسسة الحرية» التي أُطلقت قبل عام في بيروت، نقصاً حاداً في الإمكانات لإطلاق حملة مشابهة تطرح جائزة خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عن المفقودين وجثامين الشهداء في السجون ومقابر الأرقام الإسرائيلية وعلى رأسهم الشهيدة دلال المغربي.
الملتقى اختتم أعماله باعتصام تضامني أمام مقر الصليب الأحمر الدولي، حضرت فيه بكثره صور القيادي الفلسطيني عباس زكي، الذي اعتُقل أواخر الأسوع الماضي في بيت لحم. ولم يغب «النجوم» عن اللقاء، فحضر المدعي العام الأميركي الأسبق رمزي كلارك، والزميل العراقي النجم، منتظر الزيدي، الذي بات يكثف إطلالات إعلامية، أدخلت في الرتابة هي الأخرى.