Strong>فاتن الحاج«لا نبني حلماً في كتاب التاريخ»، يقول د. حسن جابر، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، ورئيس تحرير مجلة المنطلق سابقاً. والحلم الذي تحدث عنه ديفيد بن غوريون، أحد المؤسسين الأوائل للكيان الإسرائيلي، حين قال «لكي تريد عليك أن تحلم»، يعني، بحسب جابر، التوق إلى بناء دولة قوية، ضمن مشروع سياسي، لا يجرؤ أحد على الاعتداء عليها. وفي لبنان حيث التهديدات المستمرة للعدو الإسرائيلي، لا تبدو ملامح المشروع ــــ الحلم واضحة عند صياغة مناهج التاريخ أو على الأقل، كما يقول جابر، عضو لجنة الصياغة، «ما زلنا لا نجرؤ على مقاربة العناوين الحادة في النقاشات، ما يجعل التاريخ وجهة نظر تنتفي معها الحقيقة التاريخية». وهنا يبدي جابر خشيته من أن يكون الهدف من «عملنا إنجاز كتب تاريخ تمرر مادة باردة وتبني طالباً محايداً بلا مشاعر».
لا نجرؤ على مقاربة العناوين الحادة داخل لجنة صياغة التاريخ
لم تجتمع لجنة الصياغة منذ شهر ونصف تقريباً، علماً بأنّه من المقرر أن تناقش الجلسة المقبلة تفاصيل الخطوط العامة لدرس «المقاومة والتحرير» المنوي إدراجه في صف «البريفيه». وإذا كان جابر لا يمانع تكريم المقاومة بتخصيص درس لها، فهو يرفض عزلها في درس واحد فقط وتغييبها عن درس الأحداث اللبنانية من عام 1975 وحتى الآن، باعتبار أنّ كل فعل المقاومة وقع خلال هذه الفترة. ومن محاذير هذه الخطوة، برأيه، أنّ الأستاذ الذي لا يعجبه الدرس يستطيع أن يلغيه. ويتحدث الرجل عن محطات رفض بعض الأعضاء إيرادها في المناهج على خلفية القفز على الوقائع أو «ما فينا نقول كل شي»، ومنها فترة الاجتياح، مقاومة المارينز، الشريط الحدودي ودولة لحد، ومجازر صبرا وشاتيلا. أما جابر فيؤيد «عدم إغفال أي واقعة مع عدم إطلاق أحكام معيارية كأن يقال هذا شرعي وهذا غير شرعي». لكن، هل هناك تصور معين لمضمون درس المقاومة والتحرير؟ لا بد من أن يتضمن الدرس، بحسب جابر، بعض الأفكار ومنها «أينما وجد الاحتلال يجب أن تكون هناك مقاومة، لا تعارُض بين مفهومي المقاومة والتنمية، السرد التاريخي للأحداث منذ الاحتلال الإسرائيلي في عام 1978 ونشوء المقاومة وأهم الإنجازات التي حققتها وترسيخ مشهد المهجرين وهم يحملون فرشهم فوق سياراتهم». لكن هل هناك إمكانية لإدخال كل هذه الأفكار في المناهج؟ «هذه معركة»، يقول.
رغم ذلك، يرى الرجل أنّ «الفعل اليومي التراكمي بيعمل تربية أكثر من النص وإن كان لا يلغي النص الذي يؤبد الحدث ويجعله ملكاً للأجيال». ويقول: «إذا راقبنا الخط البياني للتعاطف الشعبي مع المقاومة نجده تصاعدياً»، متوقعاً «أنّ يتحول اللبنانيون تدريجياً إلى مؤيدين للمقاومة التي تتحول بدورها من ظاهرة إلى بنية أو منظومة، وهذا سينعكس بالطبع على المناهج التربوية».
عصام خليفة، أستاذ التاريخ العثماني في الجامعة اللبنانية، هو أيضاً لا يحمّل مادة التاريخ أكثر مما تحتمل لأنّها ليست وحدها ما يكوّن الذاكرة الوطنية للطلاب، فهناك العائلة والحزب والإعلام والمجتمع. من هنا، يميّز الرجل بين «الذاكرة الحية اللاعلمية والمشوّهة الموجودة في أذهان أكثرية شبيبتنا، والذاكرة العلمية الموضوعية التي يجب أن نعمل على بثها في عقولهم عبر كتاب التاريخ». ويعوّل خليفة هنا على المعلم الذي غالباً ما يقرأ المنهج على طريقته، مشدداً على ضرورة تدريبه في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، ليكون مطّلعاً على السياق العالمي للبحث التاريخي والمدارس التاريخية، وهو «ما تتقاعس عنه حتى الآن إدارة الجامعة ووزارة التربية».
أما اللجنة التي تصوغ مناهج التاريخ للمرة الثالثة فتشهد، بحسب خليفة، حواراً علمياً، «وتعليم التاريخ يجب أن يكون دقيقاً أو شغل جوهرجي»، إذ لا «نستطيع أن نتجاهل تنوع الطوائف وخصوصياتها وفي الوقت نفسه لا يمكننا أن ننتج تاريخاً يناقض الوحدة الوطنية».
خوف من أن تمرر مناهج التاريخ مادة باردة تبني طالباً محايداً بلا مشاعر
وفي ما يتعلق بالمقاومة والتحرير، فالمهم، بحسب خليفة، أن يعرف الطالب أنّ أجداده كانوا دوماً تواقين إلى الحرية، فالدروز قاتلوا العثمانيين في حرب استنزاف دفاعاً عن خصوصياتهم، والأمير فخر الدين قاوم السلطة المركزية، واللبنانيون في التاريخ الحديث بذلوا التضحيات في وجه التدخلين الإسرائيلي والسوري. وهنا يشترط خليفة عدم الدخول في «اليوتوبيا» الأسطورية، بل إظهار الأخطاء والمحطات غير المشرقة في تاريخنا، «فهدفنا تكوين الفكر النقدي لدى الطالب القائم على تحليل النصوص غير التحريضية».
انطلاقاً من أنّ «تاريخنا يشهد مقاومة اللبنانيين للاحتلالات على أنواعها»، فإنّ الثقافة الوطنية حكمت، بحسب، ميشال بدر، رئيس قسم التربية الوطنية في المركز التربوي للبحوث والإنماء التوجهات العامة في مناهج التربية المدنية والتنشئة الوطنية الصادرة عام 1997. المناهج أجابت عن سؤال محوري: «أي مواطن نريد أن نبني؟»، بالقول: «المواطن الواعي المنفتح المتعاطي بمسؤولية مع مجتمعه وقضايا وطنه بعناوينها وتفاصيلها، ومنها قضية الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 حتى يومنا الحاضر».
بدر يؤكد «أننا أدرجنا عيد التحرير في كتب التربية وحددنا المناطق التي لا تزال محتلة ليعي التلميذ أنّ إسرائيل ليست عدواً مجاوراً وحسب بل عدو محتل أرضنا، وعليه أن يتخذ الموقف الوطني بعيداً عن حزبيته ومناطقيته».
وفي الصفحة 116 من كتاب التربية المدنية في «البريفيه» ورد النص الآتي: «قاوم العرب المخططات الصهيونية منذ بدايتها بأساليب متنوعة، ومنها المقاومة اللبنانية التي حررت الجنوب والبقاع الغربي والتي أجبرت إسرائيل على الانسحاب بالقوة من أرض عربية للمرة الأولى منذ قيامها، وتخليداً لهذا التحرير أعلنت الحكومة اللبنانية يوم الخامس والعشرين من أيار من كل عام عيداً وطنياً للمقاومة والتحرير».
نسأل: ما صحة ما يقال عن أنّ النقاشات خلال الإعداد للمناهج عكست اختلافات جوهرية في وجهات النظر، فهناك من أراد أن يدرج مبادئ السلام وأصر على عدم ذكر لفظة «العدو الإسرائيلي؟».
ينفي بدر أن تكون هذه المعلومة دقيقة، «لكن المقاربات التربوية لها منهجيتها، وبالتالي فإنّ الفكر السياسي شيء والشأن التربوي شيء آخر، وبالتالي عندما ندعو تلامذتنا إلى المناداة بالسلام والقبول بالآخر المختلف كما هو لا كما نريده أن يكون، فذلك يحقق أساسيات بناء شخصية المواطن المسالم بالحق».