اجتازت بلدة كفرمتى (قضاء عاليه) «قطوع الانتخابات البلدية»، وشهدت معركة حادة اختلطت فيها التحالفات السياسية والطائفية، فهل ستنعكس نتائج الانتخابات على تسريع إنجاز ملف العودة واستكمال المصالحات، التي يعتبر آل الغريب أنها لم تشملهم؟
عامر ملاعب
يرفض شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نصر الدين الغريب الحديث عن بلدة كفرمتى «من منطلق عائلي». ابن البلدة الذي دفعت عائلته الصغرى ثمناً بـ27 ضحيّة، يعتبر قضية كفرمتى «مسألة وطنية عامة تستوجب المعالجة». ويؤكد في حديث لـ«الأخبار» أن «الطوباويين كثر، والمتصالحين كثر أيضاً، أما المصداقية فنرجو أن تكون قد تحققت. لقد جرت مصالحات كثيرة منذ سنوات وحصلت ابتزازات أكثر لعقول الناس وقلوبهم، لكن على أرض الواقع كان بعضها مسرحيات».
يتابع: «بعد استحداث وزارة للمهجرين التي لم تزد البائس إلا بؤساً وعذاباً، وبعدما أجروا المصالحات المزعومة هنا وهناك، فاتهم أنّ هناك منطقة قد دُمّرت وقُتل أهلها، واستحدثوا لقاءات عشوائية، تارة في الوزارة وطوراً في أمكنة أخرى، ونسوا أن هناك مظلومين ذاقوا الأمرّين من تلك المأساة، واعتبروها مصالحات وانتهى الأمر». يضيف: «مصالحات اليوم بعد الانتخابات البلدية جرت بطريقة تطبيع علاقات الخطوات الأولى، وهي بحاجة إلى استكمال، وقد خطونا خطوات لا بأس بها مع التيار الوطني الحر، ونحن على يقين أن النائب ميشال عون لم يكن آنذاك فريقاً بين المتنازعين». رئيس البلدية المنتخب، المحامي حسين الغريب، يؤكد «أولوية عمل البلدية على ملف عودة المهجرين، والعمل على إعطاء المغبونين حقوقهم ممن حُرموا لأسباب متعددة من تحصيل حقهم ووقف مزاريب الهدر». وأكد: «سنعمل مع وزارة المهجرين والوزير على إعادة النظر بوضع الأشخاص الذين لم ينالوا حقوقهم بالتعويضات وعلى رفع قيمة المبالغ المدفوعة».
وعن المصالحات يرد الغريب «لا يمكن أن ننكر بالكامل المصالحات التي جرت بل هي بحاجة إلى الاستكمال مع أصحاب العلاقة الفعليين». أضاف: «الانتخابات البلدية أفسحت المجال نحو مصالحة بين الأهالي». وختم: «بدعوة القيادات في الجبل من النائبين طلال أرسلان ووليد جنبلاط إلى استكمال المصالحة التي جرت عبر مصالحة برعاية الرؤساء الثلاثة على غرار ما جرى في بلدات الباروك ومعاصر الشوف وغيرها».
وتشهد بلدة كفرمتى حراكاً على خلفية ترددات ما حصل في الانتخابات البلدية، والتي أدت إلى كسر العرف المتبع لجهة حصة الأعضاء المسيحيين في المجلس البلدي. ما أدى إلى إعلان سليمان جرجي رامح، العضو المسيحي الوحيد الفائز، استقالته من المجلس البلدي. ويقول رامح المحسوب على القوات اللبنانية «إن استقالته جاءت حرصاً على إشراك الجميع في هذا المجلس البلدي، وخصوصاً أنها المرة الأولى التي تُجرى انتخابات بلدية بعد العودة، ويفترض أن يكون المجلس البلدي هو المكان المثالي للقاء والحوار بين المقيمين والعائدين».
فيما يؤكد المختار المنتخب شوقي حداد، وهو ينتمي إلى التيار الوطني الحر، أن «الثغر التي وقعت خلال الانتخابات لا يمكن أن تؤثر على مسيرة العودة، إذ إننا نناشد سماحة الشيخ نصر الدين الغريب العمل على تبني المصالحة الحقيقية بين أبناء البلدة وهو بمثابة الأب الروحي لنا جميعاً». يضيف حداد «بلدتنا بحاجة إلى دعم من القيادات السياسية جميعاً كي تستكمل التعويضات وترتفع قيمتها. وهذا بالطبع يحتاج إلى الإحاطة بأصحاب العلاقة المباشرين والتعويض المعنوي عليهم عبر حفظ كرامتهم واستكمال المصالحة فعلياً».
رئيس البلدية السابق فؤاد خداج يرى أن «ملف المهجرين شائك جداً لكننا نعتبر أن المصالحة التي أجراها البطريرك صفير في عام 2001 واستكملت في مصالحة السرايا في عام 2007، وتوقيع المصالحة في المختارة، قد ساهمت في تخفيف الاحتقان، ويبقى عامل الزمن كفيلاً بحلحلة العقد». ويرد المشكلة وتعقيداتها اليوم إلى «التأخير في الدفع والتعويضات المنخفضة، والناس لم تستطع إعادة الإعمار والعودة إلى منازلهم». وتمنى على «الرفيق أكرم شهيب وزير المهجرين أن يدفع جميع المستحقات والحقوق وتقديم خدمات البنى التحتية».
وأكد عضو البلدية المنتخب عادل خداج أن «المصالحات التي جرت كانت غبّ الطلب في ظروف قهرية لإجهاض المطالب العونية سابقاً ودعم القوات اللبنانية بوجهها، بدلاً من أن تكون كفرمتى خاتمة المصالحات». ورأى أنه «بالرغم من أن الانتخابات البلدية قد تجاوزت في بعض حدودها مأساة المجزرة، ولم تشهد تشطيباً لأعضاء اللائحة، وما حصل بعدها كان شبه تأسيس لمصالحة فعلية». من جهته، المنسق العام لرؤساء بلديات القرى المهجرة والمقيمة جورج أبي سعد، اعتبر أنه «يجب أن تكون المصالحة في كفرمتى برعاية أكبر المراجع في الدولة، على أن ينسحب الأمر على بلدة بحمدون أيضاً». ويعبر الناشط السياسي خالد خداج عن «أنها فعلاً قد كانت مصالحة قهرية جرت في ظروف صراع سياسي حاد بين 8 و14 آذار، والمصالحة الفوقية لا يمكن تمريرها فقط بالاعتماد على المال. لكن أهميتها أنها كسرت جدار الجليد. أما الانتخابات البلدية فإنها قد عملت على تطويع العقبات بالاشتراك مع قوى المجتمع المدني، لكن ذلك لا يعفي من استكمال المصالحات بما يليق بكرامة أصحاب العلاقة، ونحن نعمل على ترتيب زيارة للعماد ميشال عون إلى البلدة تختم الجرح».
ويلفت عضو لجنة المهجرين في كفرمتى، والناشط في التيار الوطني الحر فادي حداد، إلى أن «من هُجّر من بلدة كفرمتى يعتبر نفسه قد أصيب مباشرةً في المجزرة التي ارتكبت على أيدي الغرباء عن البلدة». ويرفض حداد «العودة إلى ظروف المصالحات السابقة»، لكن «يجب التأكيد أن المصالحة الكاملة والناجزة تكون بتصافح جميع أبناء البلدة ولقائهم، وهذا الأمر للأسف لم يحصل بعد».


أداء الدولة