فضحت جريمتا كترمايا عدم علم المسؤولين في الدولة بأكثر المبادئ القانونية بداهةً، بعدما زخرت بياناتهم بوصف المشتبه فيه المقتول بـ«القاتل»، بينما هو بريء حتى تثبت إدانته
محمد نزال
«على الرغم من بشاعة الجريمة، وفي وقت قبضت فيه القوى الأمنية على المجرم، فإنّ التصرف الذي حصل يسيء إلى صورة لبنان، علماً أن الدولة لم تقصّر في القبض على القاتل»، هكذا، بعد مرور 24 ساعة على جريمة كترمايا الأولى، حسم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أنّ محمد مسلّم هو «القاتل» و«المجرم»، وذلك في تصريح إعلامي أدلى به إثر عودته من البرازيل.
عُذّب محمد مسلم وسُحل قبل أن تُعلَّق جثّته في ساحة كترمايا، بينما أطلقت معظم البيانات الصادرة عن المسؤولين في الدولة عليه أوصافاً من قبيل «القاتل» و«المجرم» و«الجاني» و«الجلّاد» و«السفاح». ولم يكن تصريح رئيس الجمهورية في هذا الإطار وحيداً. وزير العمل المحامي و«الخبير القانوني» بطرس حرب، وصفه بـ«القاتل والجلّاد»، وذلك قبل مرور 48 ساعة على الجريمة الثانية (سحل مسلّم وقتله). قال حرب: «من غير الجائز أن يؤخذ القاتل في اليوم الثاني على الجريمة إلى المنطقة لتمثيلها، في غياب المدّعي العام والأهالي هائجون». كذلك «النشرة التوجيهية» (30 نيسان) الصادرة عن المدير العام لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي، أطلقت على المشتبه فيه صفة «القاتل». المباحث الجنائية سمحت أيضاً لنفسها باعتبار مسلم «القاتل»، وذلك بعد صدور نتائج فحوص الحمض النووي (DNA)، علماً أن دور هذه الفحوص محصور في تحديد هوية صاحب العيّنة فقط (الدم الذي وجد على السكين مثلاً)، وليس من مهمّاتها تحديد هوية القاتل. بيانات الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار التوحيد وتصريح النائب محمد الحجّار وغيرها من البيانات والتصريحات ارتكبت الخطأ نفسه.
الضاهر: حتى لو ثبتت الجناية على مسلّم، لا يحقّ للناس قتله
الوزير السابق والخبير القانوني مخايل الضاهر أعرب عن أسفه لواقع «ثقافة القانون المجهولة من جانب كثير من المسؤولين فضلاً عن عامة الناس». شرح الضاهر لـ«الأخبار»، المجرى القانوني الذي يفترض أن تتّخذه قضية جنائية بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية: يُعدّ الموقوف في المرحلة الأولى «مشتبهاً فيه أو مشكوّاً منه»، قبل أن ينتقل إلى المرحلة الثانية حيث يصبح «مدّعى عليه» من جانب النيابة العامة، وذلك في حال وجود قرائن تدعو إلى ذلك. وفي المرحلة الثالثة، يُحال الموقوف على قاضي التحقيق، حيث يجري تحقيقات موسّعة يمكن أن تأخذ أكثر من جلسة، ثم يُرفع الملف إلى الهيئة الاتهامية التي تدرسه مليّاً قبل أن تُقرر إصدار «قرار اتهاميّ» (المرحلة الرابعة)، وفي هذه الحالة فقط يُصبح الموقوف «متّهماً». لكن «قرينة البراءة» تلازمه إلى أن تُصدر المحكمة المستقلّة حكمها.
يقول الضاهر عن جريمتي كترمايا: «حتى لو كانت الجناية ثابتة على مسلّم، وبنسبة مليون في المئة، لا يحقّ لأحد من الناس قتله، فالذين قتلوه ارتكبوا جريمة بكل ما للكلمة من معنى، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن». المحامي والخبير القانوني ماجد فيّاض أكّد أن «البراءة هي القرينة الأساسية»، وهي تظلل كل مشتبه فيه ومتهم إلى أن تجري إدانته في المحكمة، ولا يمكن أن يُعدّ مرتكباً جرماً إلا بعد أن تثبت الإدانة بموجب حكم، «إذ إنّ كل محاكمة تهدف في نهاية الأمر إلى تحديد مسألتين: تحديد المسؤولية، وتحديد العقوبات والقضاء بها». وإذا لم تُقرر وتُحدّد المسؤولية بموجب حكم، يبقى المتهم، مهما كانت الأدلة واضحة وحاسمة، بريئاً إلى حين صدور الحكم.
أما الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة، القاضي يوسف سعد الله الخوري، فرأى أن هناك قاعدة قانونية عالمية تقول إنه «لا يجوز لأحد أن يستوفي حقه بيده، فحتى الدولة نفسها لا تستطيع من حيث المبدأ أن تستعمل القوة إلّا من خلال القضاء، ما عدا في ظروف استثنائية ومحدّدة»، معتبراً أن قتل مسلّم «جريمة ضد العدالة لا تُغتفر، القضاء مسؤول ومعه السلطة التنفيذية والدولة كلها للحدّ من التمرد على القضاء، فنحن للأسف ما زلنا بعيدين عن دولة القانون».