هي المرة الأولى التي تبادر فيها لجنة الأهل في مدرسة الليسيه فردان إلى تنظيم نشاط إنساني، ولن تكون الأخيرة، كما قال أعضاؤها. وإذا كان النشاط قد استهدف «أطفال هاييتي» هذه المرة، فغداً سيأتي دور أطفال غزة والعراق
فاتن الحاج
عندما أطلعت ديما حمدان، عضو لجنة الأهل في مدرسة الليسيه فردان، للمرة الأولى أعضاء اللجنة على رغبتها في تنظيم نشاط يعود ريعه لمساعدة أطفال هاييتي، اعترض البعض لمجرد طرح كلمة هاييتي. ثم راحت التعليقات تنهال على صاحبة الفكرة: «هلّق بطّل في فقرا غير أطفال هاييتي؟ شو خصنا؟ ما بيربطنا فيهن شي، ما نحنا كمان عنّا أطفال محرومين في غزة والعراق والجنوب وعكار».
لكن هذه المواقف التلقائية لأهالي التلامذة تبدّلت تدريجاً بعدما دافعت حمدان بقوة عن مشروعها البسيط، كما تصفه، حين قالت: «بدنا ولادنا ينوجعوا مع آخر ولد موجوع بالعالم، لازم يحسّوا بمعاناة ناس من عمرهم ما بيربطهم فيهن شي: لا دين ولا سياسة ولا لغة ولا قومية. فالمهم الشعور الإنساني مع هؤلاء المنكوبين ولو كانوا وراء البحار والمحيطات».
هكذا، نجحت أم الطفلتين المتحمّسة للمساهمة ولو ببناء مدرسة صغيرة في البلد المنكوب بالزلزال تكون تقدمة من «أطفال الليسيه» إلى «أطفال هاييتي»، في إقناع لجنة الأهل من جهة وإدارة المدرسة من جهة ثانية. «فمديرة المدرسة فاليري داراك رحّبت بالفكرة، وسمحت بتنفيذها داخل حرم المدرسة».
أما الأهالي، فتوافقوا على أن يختار الأطفال بين 3 سنوات و11 سنة أشياءهم الأكثر حميمية، ألعابا كانت أو كتباً، لبيعها في حرم المدرسة، على أن يذهب المبلغ إلى «هاييتي» عبر المؤسسة التي تدير المدارس الفرنسية في العالم. لكن لماذا لا يتبرع الأولاد بالأموال؟ تقول حمدان: «لازم يشاركوا بشي بيعنيلن».
وقبل النشاط، استعانت اللجنة بمندوبي الصفوف ليشرحوا لرفاقهم أهداف المشروع، ثم جال أعضاؤها على تلامذة تجاوبوا كثيراً «بدليل هذه الكمية الكبيرة من الألعاب»، كما تقول جهينة صالح، عضو لجنة الأهل. لكنّ صالح لم تخف الفضولية التي واجههم بها الأطفال والأولاد، والتي عكستها أسئلتهم: «نحنا منحب ألعابنا ليش بدنا نعطيهن اياهن؟ ما فينا نبعتلن شي غير ألعاب، أكل وثياب؟ كيف بدنا نعمّر مدرسة بالمصاري؟». أما التعليق اللافت فكان من تالا (4 سنوات) حين قالت: «أنا أكيدة إنو إسرائيل عملت هيك بهاييتي».
تنهمك صالح في وضع اللمسات الأخيرة على ترتيب الألعاب، كل في جناحه المخصص له. هنا الألعاب التي ستباع بألف ليرة وفي الجناح المقابل هناك قصص قدرت قيمتها بـ5 آلاف ليرة، لكن الأسعار لن تتجاوز في أحسن الأحوال 15 ألف ليرة لبنانية. كل شيء بات جاهزاً في ملعب المدرسة في منطقة الأونيسكو. لحظات ويحل موعد الانصراف، الإشارة إلى بدء النشاط بمجرد مجيء الأهالي لاصطحاب أولادهم. كان لافتاً تهافت عمال النظافة على النشاط، فأشترت إحدى العاملات كيساً كبيراً من الألعاب قالت إنّها ستقدمها لأولاد إخوتها، معلّقة بالقول: «يا ريت فينا نساعد المحتاجين أكتر، أنا بنت الجنوب وبعرف طعم العذاب». أما زميلتها التي وجدت أسعار ألعاب الأولاد الميسورين «لقطة»، فقد اشترت الكثير منها «لأولاد ابني المريض. نحنا المعتّرين منشعر مع المعتّرين».
أما وصال حلاوي، التي كانت معارضة لمشروع هاييتي، مفضّلة عليه «مساعدة فقرائنا»، فقد عادت وأشركت أولادها الثلاثة ليتبرّعوا بألعاب اشتروها خصوصاً للنشاط، كما قالت، باعتبار «أننا لسنا بعيدين عن الكوارث». لكن حلاوي تفضّل لو أنّ المشروع يتوجه في المرة المقبلة إلى أطفال لبنان أو غزة، علماً بأنّ الألعاب التي لم تبع هذه المرة سترسل إلى الجمعيات الأهلية التي تعنى بالطفولة. وتعرب نعمت الخطيب عن ارتياحها للمشروع الذي يعوّد أبناءها التعاطف مع أطفال من «غير قوميتنا وديننا»، وإن كانوا تحمّسوا للمشاركة بالألعاب فقط «ما بدنا نقدّملن قصص». لكن الصغيرة ياسمين غضبان (10 سنوات) بدت مطّلعة على كل تفاصيل المشروع، فتحدثت عن هزة أرضية «إجت على هاييتي والولاد صاروا محتاجين وفقرا، ونحنا عم نساعدن بألعابنا اللي منحبا وبدنا نعمّرلن مدرسة ليدرسوا متلنا». أما ريم (9 سنوات) فجالت برفقة والدها مصطفى البيلاني على أجنحة الألعاب لشراء لعبة تعجبها، بعدما تبرعت، كما قالت، «بمكنة قهوة وأغراض بلاستيكية للطبخ و6 قصص للأطفال».
لم يخف البيلاني كيف تردّدت ابنته في بادئ الأمر قبل أن يشرح لها «أهمية التضامن مع ولاد من عمرها، شرط أن تتنازل عن أعز شيء تملكه». وهنا يلفت الرجل إلى أنّ الأطفال الذين شاركوا في المشروع حصلوا على «ستيكرز» علّقوه على زيّهم المدرسي للتباهي أمام رفاقهم.