62 عاماً مرت على النكبة الفلسطينية، 62 عاماً مرت ولا يزال الفلسطينيون في كل مكان يحيون ذكراها. لم تشذ مخيمات لبنان عن التقليد، على أمل أن تتحول المناسبة يوماً إلى مجرد ذكرى في الوطن
قاسم س. قاسم، خالد الغربي
ترك الفلسطينيون أمس مخيماتهم، وتوجهوا إلى حرج قصقص ليمضوا «يوماً فلسطينياً مفتوحاً». هو بالأحرى يوم أسود مفتوح يحييه الفلسطينيون في 14 أيار من كل عام، إذ بمثل هذا اليوم منذ 62 عاماً كانت ذكرى نكبتهم، المتمثلة بتهجيرهم من فلسطين لإنشاء الكيان الغاصب. أتى اللاجئون من كل المخيمات الفلسطينية للمشاركة بهذا اليوم الذي نظمته منظمة التحرير الفلسطينية والجمعيات الأهلية اللبنانية والفلسطينية بعنوان «الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل». حملوا إلى قصقص ما جلبوه معهم من فلسطين، فعرضوا أوراق «الطابو» التي ما زالت معهم، عرضوا العملات الورقية الفلسطينية، ليذكروا العالم بأنهم أصحاب الأرض الأصليون وأن الصهاينة لم يغزوا ويحتلوا «أرضاً بلا شعب» كما يروجون. إحدى الجرار الفخارية المعروضة يشير عمرها إلى أنها أقدم من الكيان الإسرائيلي، لا بل أكبر من جميع الحاضرين في الحديقة. هكذا، جُهّز المسخّن والمفتول، الطبقان الفلسطينيان التراثيان، ليُقدّما لممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عبد الله عبد الله وللحضور، بالمناسبة ضم الحضور الجميع، بم في ذلك ممثلون عن حماس وقوى التحالف الفلسطينية الذين جالوا مع عبد الله في المعرض. هكذا، عبقت رائحة البن المحمّص في فضاء الحديقة. أما التنزه بين أجنحة معارض الصور التي جسدت النكبة فلن يخلو من تقديم إحدى السيّدات «معمول أم ماضي» الذي صنعته خصيصاً لهذه المناسبة. تتوجه إلى «أم ماضي» التي جلست خلف «صدر حلوياتها» متحدية به، كما قالت لنا ضاحكة، نتنياهو، طالبة منه أن «يشوف إحنا الفلسطينيي كيف ما نسينا بلادنا، واليوم الأسود هادا رح نحولو لأبيض ان شاء الله» كما تقول. يلهم حديثها «أبو عرب» فيتقدم الهوينا ليسحب من الطبق «حبة معمول عن روح النكبة لتكون آخر نكباتنا، مش ناقصنا بعد» يقول. ونكبات أبو عرب لا تحصى، وإن كانت النكبة بفقدان فلسطين هي الأساس، ربما لن يكون أصغرها فقدانه أوراقه الثبوتية منذ هروبه من الأردن إثر أيلول الأسود. مصيبة أبو عرب لا تعطيه استثناءً في هذا الجمع الكبير الذي لكل واحد منه روايته لمصائبه ونكباته اليومية. وفي كلمة ألقاها السفير عبد الله طالب بتدعيم «الجبهة الداخلية لنعرف كيف نواجه المحتل لنكون دعماً لمن يخوض المعركة عسكرياً وسياسياً». مضيفاً: «قد تكون هذه الذكرى أليمة لكنها اختبار لإظهار مدى حبّنا وتمسكنا بفلسطين». يترك السفير المكان للفنانين، فتغني اللبنانية دارين حدشيتي أغنية عن فلسطين. لماذا دارين حدشيتي؟ لأنها ببساطة الوحيدة التي قبلت التضامن مجاناً، لا بل إنها كانت متحمسة لدرجة تأليفها أغنية خاصة. بعدها تعاقب أهل البيت على الغناء والرقص. أما في صيدا فقد رسم أطفال مخيم عين الحلوة خارطة طريقهم «إلى أرض الآباء والأجداد التي يغتالها قطاع الطرق» كما كتبوا بالطباشير فوق الرسوم، في نشاطهم المفتوح الذي أقامته مؤسسة بدر الخيرية إحياءً للذكرى 62 لنكبة فلسطين، ونصبت خلاله خيماً قال المنظمون إنها شبيهة بخيم اللجوء التي عاش فيها اللاجئون الأوائل في لبنان.
«خارطة فلسطين، وعبارة 1948 ــــ النكبة، 2010 ـــ عائدون» حول هذا اللوح تكوكب الأطفال يستمعون إلى مدرستهم آية السراج تسألهم عن فلسطين. إسراء عثمان ابنة السبع سنوات قالت رداً على سؤال «الصهاينة اغتصبوا بلادنا قبل 62 عاماً بمساعدة الأمراء والحكام العرب، ومأساتنا مستمرة حتى يومنا». ينهي الأطفال درسهم عن فلسطين لينطلقوا في شوارع المخيم في موكب عرائسي لزفة العروس «فلسطين» التي كان مهرها «بحراً من الدماء» على حد ما جاء في عقد الزواج الذي حفر على خارطة الوطن المغتصب.
في مكان آخر تجمع كبار السن تحت خيمة «حيفا»، يقصون على الصغار حكايات المعاناة والتشرد. الحاج أبو محمود قدورة ابن بلدة عكرمة يخبر الجمع أنه ورفاقه «قاتلوا في أيار من عام 48 عصابات الصهاينة» الذين هاجموا بلدته «قتالاً مشرفاً وببنادق لا تصلح لصيد العصافير، وكدنا أن نحقق الانتصار عليهم، لكن الأوامر أعطيت لنا بأن ننسحب لأن جيش الإنقاذ سيأتي ويعيدنا، إنها كذبة العرب الكبرى وخيانة العرب الكبرى». يتأثر الحاج أبو محمود بما رواه لذلك يقدم نصيحته إلى الشعب الفلسطيني «لا تنسَ من خانوك لا تنسَ من باعوك». يمسح دمعته قائلاً «سنرجع يوماً بفضل جهاد المقاومين في فلسطين ولبنان» و«خلّي السلاح صاحي».