تأخرت الدولة في تنفيذ مشاريع البحيرات الجبلية في البقاع. في الوقت الذي تدل فيه الإشارات إلى جفاف مبكر بعدما تفجرت الينابيع قبل موعدها بشهرين
اليمونة ــ رامح حمية
يوغل ناظم كنعان ابن بلدة العلاق موطن نبع الليطاني بنظره في مياه النهر المتدفقة من رحم الأرض، يفتش عن صورة في ذاكرته لتفجر النبع قبل أوانه بأكثر من ثلاثة أشهر، دون جدوى. هي المرة الأولى «قطعاً» كما يؤكد التي شهد فيها تفجر مياه النبع خلال كانون الأول، بعدما درجت العادة على منتصف آذار من كل عام. كنعان لا يخفي تخوفه من فترة شح بمياه النهر، وخاصة أن الينابيع والأنهار عبارة عن تجاويف صخرية لتخزين المياه وقد تفجرت هذه المياه باكراً بعد فيضان هذه التجاويف، «يعني نبعت قبل موعدها ورح تجف كمان قبل موعدها».
إذاً، أمعن التغير المناخي بالعبث في طبيعة البقاع فأدخل الأهالي في «معمعة» من المخاوف والهواجس التي يصعب تبديدها، لأنهم باتوا يدركون فعلياً أن ثمة شيئاً غريباً يحدث في بيئتهم التي اعتادوا فيها على نمط مناخي ــــ فصلي، فالأشجار تفتحت في غير أوانها، كما تفجرت الينابيع قبل موعدها، الأمر الذي جعلهم يترقبون بقلق شديد الآتي من الأيام الجافة.
الخوف من شح المياه نتيجة تفجر مياه الينابيع باكراً لا يخفيه حسين شريف جار نبع الأربعين في بلدة اليمونة، فهو يؤكد على «غرابة ما يحصل نتيجة الاحتباس الحراري»، مرجحاً أن تجف مياه النبع مع نهاي شهر أيار بدلاً من تموز، وخاصة أن سفوح الجبال خلت من الثلوج التي كانت تبقى حتى نهاية حزيران. أهل البلدة كانوا يشعرون سابقاً بأن النبع ستتفجر مياهه لإحساسهم بأن الطقس بدأ يصبح رطباً ولطيفاً، وليسمع من بعدها دوي انفجار بسيط، أما هذا العام فقد فاجأ الجميع.
تخوف الأهالي لم يبدده رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال إفرام الذي أكد في اتصال مع «الأخبار» أن التخوف الموجود لدى الأهالي لجهة شح المياه خلال الصيف «صحيح وفي مكانه»، لأن مخزون هذه الينابيع سينفد باكراً، في ظل غياب كثافة الثلوج على المرتفعات، وأوضح أن الشعور بالنقص الحاد في مستوى المياه سيبدأ من شهر حزيران، فيما شهر تموز سيشهد الأزمة فعلياً. ورأى إفرام أن معدل المتساقطات المرتفع جداً، أدى إلى فورة سريعة في المياه الجوفية، وسمح بتفجر الينابيع والأنهار باكراً وهو ما سيؤدي إلى جفافها.
يحمّل البقاعيون الدولة مسؤولية المشكلة المتوقع حدوثها، ويعزو محمد حمية ذلك إلى تأخرها في تنفيذ السدود كالعاصي واليمونة والبحيرات الجبلية التي اتُّخذ القرار بشأن إنشائها في عام 2002. أما حسن زعيتر فرأى أن خطتهم المتواضعة لمواجهة هذه المشكلة ستقتصر على الاعتماد على مياه الآبار الإرتوازية فقط.
مؤسسة مياه البقاع بدت أنها على علم بما هو آتٍ على البقاع، وأكد أنها بصدد التحضير لخطة عمل تهدف إلى منع حصول أية أزمة مائية في المنطقة. فقد أكد لـ«الأخبار» مصدر مسؤول في المؤسسة، رفض ذكر اسمه، أن تقارير فنية متعددة وصلت المؤسسة عن المشكلة المتوقع حدوثها بدءاً من شهر حزيران، وتُدرس تحضيراً لوضع «خطة عمل جدية تبدأ بإنجاز كل التصليحات الواقعة على الشبكة، وبتنفيذ برنامج متوازن في توزيع المياه على القرى والبلدات البقاعية، وصولاً إلى التقنين في توزيع هذه المياه في الفترة التي يبلغ فيها الجفاف مرحلة الذروة». وتوقع المصدر أن فترة الجفاف المتوقعة ستبدأ من شهر حزيران، وهو الموعد المتوقع لتدني منسوب مياه بعض الينابيع الأساسية كنبع الأربعين في اليمونة والليطاني، وهو موعد حاجة بعض الزراعات أيضاً للمياه، وأكد أن المؤسسة على تنسيق مع القوى الأمنية لمواجهة أية تعديات قد تحصل على الشبكة.
البحيرات الصناعية تعتبر من الخطوات الناجحة التي تقدم عليها بعض بلديات البقاع في محاولة لمعالجة مشكلة الجفاف، فقد تمكنت بلدية بتدعي منذ سنتين من إنجاز مشروع بحيرة صناعية بسعة 80 ألف متر مكعب، تستخدم خلال فترة الصيف، بحسب ما يؤكد رئيس البلدية جورج الفخري لـ«الأخبار»، موضحاً أن مياه اليمونة هي التي تغذي البحيرة، وتستخدم بدءاً من شهر حزيران لري 300 دونم من البساتين. أما لجهة مياه الشفة فأكد الفخري أنهم يعتمدون على مياه عيون أرغش من دير الأحمر.
الجدير ذكره أن تفجر مياه نبع الأربعين، أوقف تنفيذ سد اليمونة، المقرر إنشاؤه منذ عام 2003، بسبب غزارة مياهه التي شقت طريقها إلى سائر العقارات المحيطة، لتذهب هدراً.