المعاملتين ليست ضيعة، بل شارع بين ضيعتين: حارة صخر وساحل علما، تطل على خليج جونيه وجبال منطقة غزير. في ما مضى، صنّف هذا الشارع أثرياً، ممنوع على أصحاب المنازل القديمة هدمها. أما اليوم، وبالرغم من الطابع التراثي الذي لا يزال ظاهراً، فإن «المنطقة» مصنفة منذ التسعينيات مركزاً أساسياً «للسياحة» في لبنان، بعد إعطاء أصحاب الفنادق «رخص ملاه ليلية»
ريتا بولس شهوان
تنتشر على امتداد الخط الساحلي في شارع المعاملتين، من خليج جونيه مروراً بغزير، فنادق وملاهٍ ليلية رخّصت لها بلدية جونية على نحو متزايد بعد انتهاء الحرب الأهلية، من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ في الشارع سكاناً ومدرسة وكنيسة. وعلى الرغم من الاعتراض الشعبي وتحرك قام به كهنة رعايا جونيه في منتصف التسعينيات تعبيراً عن رفضهم تنامي ظاهرة الملاهي الليلية في باحتهم الخلفية، لخوف محق من تحوّل «علب الليل» تلك إلى مجرد واجهة لممارسة الدعارة، ما زالت هذه الملاهي في نمو مطّرد، وفق أهل المنطقة، تستقبل ليلاً زبوناً يسامر «راقصة» أجنبية، بعد الانتهاء من «نمرتها» محاولاً استمالتها لتقبل دعوته للخروج في اليوم التالي إلى أحد المطاعم أو إلى منزله! في اليوم التالي، إذا قبلت دعوته، ينتظرها قرب الفندق. ممنوع على الأجنبية الخروج، إذا لم تسجل «خروجها» من الفندق، وسبب خروجها، واسم مرافقها.
فالأمن العام يشدد على هذه التفاصيل. التدابير المشددة على خروج الفتيات من الفندق ودخولهن، قد توحي بأنّ الأمن العام يضبط الوضع هنا، وإن غاب بشخصه أو غابت شرطة البلدية عن الشارع. لا يخالف الملهى الليلي ولا الراقصات القانون «ظاهراً»، ومع تنفيذ أصحاب الفنادق شروط الدولة اللبنانية وإخضاع تلك الراقصات لكشف طبي كل 4 أشهر وتقديم بيانات للأمن العام عن تحركاتهن، ترفع عنهن الشبهات.
وفق مصادر مطلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإنّ قضية الملاهي في المعاملتين موروثة عن زمن الحرب. فقد ورث بعض أصحاب الملاهي المجاورة للفنادق، «أعمال» الميليشيات أيامها، وأصبحوا رؤساء «الشبكات»، إما لصلة عائلية أو حزبية بالميليشيا القديمة. اليوم هناك 4 شبكات أساسية ورؤساؤها. أحد هؤلاء الأشخاص، ولنقل إنّ اسمه ش. ورث «الشبكة» عن خاله، الذي كان يدير «باراً» في جونيه، أقفل منذ سنوات عدة. بعد ذلك، قرر ش. التوسع في أعماله إلى المعاملتين، وأصبح اليوم يملك أكثر من 3 فنادق.
لكن، كيف يعيش السكان هنا وقوعهم في حضن منطقة السياحة الجنسية؟ كيف يذهب الطلاب إلى مدارسهم، وماذا يرون في طريق ذهابهم وإيابهم؟ وكيف تمر الليالي الحافلة بالسكارى في منطقة سكنية؟ «الأخبار» تحدثت إلى بعض الأهالي، عن تأثير الملاهي على حياتهم خاصة. عدد كبير من السكان تهرب من الإجابة المباشرة، متخوفين من رؤساء الشبكات، وهم للمناسبة معروفون بالاسم، فلم يقبلوا حتى بوصف ما يحصل، مشيرين بحذر شديد إلى مجرد احتمال أن تكون تلك الفتيات يعملن كبنات هوى خارج دوام العمل في الملهى، لا بل إنّ بعضهم قال إنهم «ما منشوف شي، ما منسمع شي».
لكن، بمجرد أن تشير إلى إمكان إخفائهم هويتهم الحقيقية، كان الناس يتجاوبون. مع أنّه تبين أنّ الخوف لم يكن السبب دائماً لعدم التصريح، كما تبين من كلام سميح (اسم وهمي) الذي غضب لإثارة الموضوع في الإعلام، وخصوصاً أنّه في سياق الحديث معه اتضح أنّه أراد بيع منزله هناك، ولا يريد أن يؤثر «الصيت يلي طالع على الشارع» على ثمن المنزل، لأنّ الشاري المحتمل حاول مراراً التملص «لكون المنزل بالمعاملتين!»، على حد تعبيره.
أما بعض أصحاب المحال التجارية، المستفيد الأكبر من وجود «حركة راقصات أجنبيات» في الفنادق، فأظهروا شيئاً من التعاطف معهن، مثل عبدو الذي يملك محلاً للخضروات، والذي شرح لـ«الأخبار» أنّ «معظم الراقصات الأجنبيات، اللواتي يتبضعن دائماً من محله، تركن وطنهن الأم وفي اعتقادهن أنّ المعاملتين تشبه هوليوود»، مقرناً كلامه بإشارة إلى شقراء كانت تختار الفاكهة. ينظر إليها بتمعن، ويخبرنا قصتها، التي سبق أن قصّتها عليه بدورها، كما يقول، في وقت سابق: «تلك الفتاة راقصة محترفة في روسيا، أتت إلى لبنان مع فرقة رقص. لم تعرف شيئاً عن طبيعة عملها في لبنان. تهيأ لها أنّها سترقص على مسرح ضخم، ليظهر لها عكس ذلك. وقعت عقداً طويل الأمد، كالعديد من أعضاء الفرقة، مع صاحب الفندق. وأكلت الضرب!». يتوقف عن الكلام، كأنه يعيد التفكير بما قاله. تتغير نبرته هذه المرة، ويكمل: «ما بدي برر، يلي عم ينعمل»، في إشارة إلى مرافقة بعض الراقصات، الزبائن إلى منازلهم وتقديم خدمات جنسية مدفوعة. «يلي عم ينعمل غلط! بس على القليلة هودي البنات ما بيوقفوا على الطريق، هودي البنات مضبوبين بالفندق، بيضهرو ع السكت».
مالك محل الخضروات لم يكن الوحيد الذي أظهر تعاطفاً مع الأجنبيات. بشير، صاحب محل حلويات يكاد محله يخلو منها، يستقبل أثناء دوام عمله أجنبيات الملهى المجاور لمحله، لا لبيع الحلوى بل لارتشاف القهوة. يخلط بشير اللغة الروسية بالإنكليزية في حديثه مع فتاة تجهش بالبكاء، يحاول أن يهدئ من روعها. لا يهتم لسؤالنا عن سعر حلوى روسية معروضة، ويعرض علينا فنجان قهوة. من الطاولة المجاورة كان يمكن فهم نتف من حديثهما. كان بشير يلوم الفتاة لأنّها لم تطالب صاحب الفندق بتطبيق بنود العقد كاملاً. فجأة يرن الهاتف. اتصال من أحد «زبائن محل الحلويات»، وبعد إنهاء المكالمة الهاتفية معه، يعلمها «بأنّ هادي، سيأتي بعد خمس دقائق» ويأخذها معه «ومن بعدو، جاي هيداك يلي خبرتك عنو».
هكذا، يتبين أنّ العديد من القوادين يعملون هنا بغطاء تجاري أو سياحي أو فني. نسأله عن حركة البيع والشراء والإقبال على الحلويات؟ الجواب المعتاد: ما في شغل. فكيف إذاً يسدد الإيجار؟ يجيب أنّ «الإيجار قديم».
يأسف مختار حارة صخر، الياس برهوش، لوقوع شارع المعاملتين ضمن ضيعة حارة صخر، رأى الأخير، أنّ ما يحصل في الشارع، وما يقوم به بعض الرجال في البارات وصمة عار على منطقة كسروان، لكن الدولة أعطت التراخيص لأصحاب الملاهي. فماذا نفعل؟ يسأل.


القانون يمنع