بسام القنطارالعنف ضد الأطفال في الدول العربية، ومنها لبنان، يزداد. دراسات عديدة تشير إلى هذا، لكن جامعة الدول العربية اختارت أن تجري دراسة مقارنة حول مدى التزام الحكومات العربية بالتوصيات التي صدرت عن الأمم المتحدة لوقف العنف ضد الأطفال، وخصوصاً الدراسة الشهيرة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة عام 2006، حول الموضوع.
عمل قسم إدارة الأسرة والطفل في الجامعة، ثلاث سنوات على الدراسة، وألّفت لهذه الغاية لجنة مختصة ضمت رؤساء اللجان الوطنية لمناهضة العنف ضد الأطفال. وعقدت هذه اللجنة سلسلة من الاجتماعات وأرسلت استمارات استبيانية لتعبئتها بواسطة الأجهزة المعنية في الدول الأعضاء، بهدف إعداد التقرير. وكما يحصل عادة لم يتكلف العديد من الإدارات الرسمية العربية، عناء الرد على الاستمارة الاستبيانية.
سنتان من العناء أدتا في نهاية عام 2009 إلى إنجاز مسوّدة التقرير العربي المقارَن وإرساله إلى الدول العربية لمراجعته واستكمال البيانات وتحديثها، ودعوة الجهات المعنية في الدول الأعضاء التي لم تجب عن الاستبيان لموافاة الجامعة العربية بالبيانات المطلوبة. وفي المحصلة، لم يشمل التقرير أي معلومات عن خمس دول هي: جمهورية جيبوتي، جمهورية الصومال الديموقراطية، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، فلسطين، والجمهورية الإسلامية الموريتانية. وإذا كان من المبرر، ربما، للسلطة الفلسطينية عدم المشاركة في التقرير نتيجة الاحتلال في الضفة والانقسام في غزة، فإن قصور بقية الدول يستدعي الوقوف عند حقيقة التزامها بأن تكون عضواً في الجامعة العربية.
ومن القاهرة الى دمشق والرباط، حطّ التقرير أمس بنسخته النهائية، في حفل خصص لإطلاقه في ختام مؤتمر عقدته الجامعة العربية في فندق ببيروت. على المنصة، جلس وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ وممثلون عن الجامعة العربية ومنظمة اليونيسف والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال مارتا سانتو باييس، والأمين العام المساعد للشؤون الاجتماعية في الجامعة سيما بحوث.
تحدّث الجميع طويلاً عن التقرير وأهميته، فيما رأى فيه الوزير الصايغ وسيلة مساعدة في عملية التخطيط والبرمجة وبناء القدرات المؤسساتية والبشرية. ولفت إلى أن تنفيذ التوصيات الواردة فيه يستلزم تخصيص ميزانية تعكس وضوح الإرادة السياسية التي يجب أن تضمن حماية الطفل في سياساتها الاجتماعية.
لكن مهلاً، أين التقرير وما هي نتائجه؟ الإجابة عند سكريتاريا المؤتمر: «التقرير موجود، لكن لا يمكن توزيعه على وسائل الإعلام لأن عدداً من الوفود المشاركة تحفّظ على بعض الأرقام والمعطيات الواردة فيه». هكذا إذاً بعد ثلاث سنوات من التحضير والمسودات والمراجعات، ودعوة الإعلام الى حفل إطلاق التقرير، يتبين أن «التقرير العربي حول العنف ضد الأطفال» غير قابل للنشر!
تستطيع الجامعة العربية أن تتخذ هذا القرار، شرط عدم إجراء التعمية على وسائل الإعلام ودعوتها الى تغطية إطلاق تقرير لم يطلق. وللمفارقة، فإن «الأخبار» تمكنت من الحصول على نسخة من التقرير، الذي وزع على المشاركين الرسميين في المؤتمر. المتصفح للتقرير الذي يقع في 110 صفحات، يجد جداول مقارنات حول وضع كل دولة، يبين التطور في الآليات والسياسات لمواجهة العنف ضد الأطفال، فضلاً عن التشريعات المختلفة لتنفيذ هذه السياسات، ولا سيما حظر ختان النساء وجرائم الشرف والعقوبة الجسدية والعنف الجنسي، مع التركيز على ضمان المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب.


التوصيات

يطالب تقرير جامعة الدول العربية حول التزام الحكومات العربية بوقف العنف ضد الأطفال، بالعمل على تعزيز المراصد والمراكز التي تسجل أحداث العنف الموجه ضد الأطفال أو التي تتعامل معه بشكل أو بآخر. وإجراء دراسات مقارنة بين الدول العربية، وتفعيل دور لجنة دراسة الأمم المتحدة حول وقف العنف ضد الأطفال، والعمل على تعميق العلاقة بين الاستراتيجيات الموجهة للطفل وتلك الموجهة للأسرة، الوقاية من المخدرات والإدمان، وضع استراتيجية عربية لمكافحة جرائم الانترنت، مسوّدة قانون عربي موحد للتصدي للعنف وحماية الأطفال، إعطاء أهمية كبرى للجانب الوقائي والعمل على دعم الميزانيات المخصّصة لبرامج الطفولة والأمومة، دعم المجتمع المدني وتعميق دوره في ما يتصل بحماية الأطفال من العنف، والعمل على بذل جهود أكبر لتعزيز قدرات العاملين مع الأطفال في المدارس ودور الحضانة.