لم يكن ينقص الإيجابية التي تعاطى بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، أمس، مع ملف اقتراحات القوانين التي تتعلّق بحقوق الفلسطينيّين، إلّا توقيع نوّابه عليها لتكون كاملة. فقد فاجأ دولته المستمعين إليه في اللقاء الأول للجنة الحوار اللبناني ــ الفلسطيني، بعد تعيين الرئيسة الجديدة، بجملة حاسمة «مسألة حقوق اللاجئين الفلسطينيّين موضوع غير خاضع لا للنقاش ولا للجدل»، فهل نشهد تسريعاً لهذا الملف؟
راجانا حمية
بدا لقاء لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني الأول، بعد تعيين المحامية مايا مجذوب رئيسة للجنة، لـ«بحث العلاقات اللبنانية الفلسطينية: الإنجازات، الرؤية والمستقبل»، كأنه حُشر حشراً في صلب موضوع الحقوق المدنية للّاجئين الفلسطينيّين، الطاغي الحضور هذه الأيام، نظراً إلى حراك المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني الأخير، ونظراً إلى الأهمية التي أولته إيّاها تصريحات الحريري في اللقاء.
خطفت تلك الحقوق الأضواء من لجنة الحوار، التي كانت تطلق، أمس، رؤيتها وبرنامجها للدورة الجديدة، وتقريرها عن السنوات الأربع الماضية، منذ تأسيسها عام 2005. هكذا، مرّت أخبار اللجنة وغياب رئيسها السابق خليل مكاوي، مرور الكرام، مقارنةً بكلمة رئيس مجلس الوزراء، الذي حضر متكلّماً ومتضامناً.
تصريح الحريري حيّر الفلسطينيّين أنفسهم. وعزّز الطمأنينة في النفوس الخائفة على حقوق «هي من واجب الدولة تجاه أشقاء خرجوا مرغمين من أرضهم»، حسب تعبير رئيس الحكومة. هكذا حسم الرئيس موقف «الدولة» بعيداً عمّا يجري في اجتماعات لجنة الإدارة والعدل، التي كانت تدرس اقتراحات القوانين التي تقدّم بها الحزب التقدمي الاشتراكي في هذا الوقت بالذات.
لا مخطط سياسياً أو أمنيّاً أو عسكريّاً خلف المطالبة بالحقوق
حالما قال الرئيس الشاب «موضوع الحقوق غير خاضع للجدل والنقاش» ارتسمت ابتسامات على الوجوه. استفاض في الشرح، مشيراً إلى «أننا لن نتناول المسألة من زاوية الحقوق، بل من زاوية واجب لبنان، دولةً ومجتمعاً، تجاه إخوان له»، مجدّداً التأكيد على أن «لبنان لن يتهرب من واجباته تجاه الفلسطينيّين». ثمّة مزيد من التأكيد «لا مكان في واجبات لبنان تجاه الإخوة لأيّ نافذة يمكن أن تطلّ على التوطين، أو أيّ إجراء يناقض حق العودة، وينزع هوية فلسطين». ثم وجّه نداءين: الأول إلى الداخل «ليوقفوا السباق السياسي والإعلامي بشأن الحقوق»، والثاني، بالإنكليزية، إلى المجتمع الدولي، الذي كانت رموزه حاضرة أيضاً، من فرانسيس غاي، السفيرة البريطانية، إلى السفيرة الأميركية ميشيل سيسون، إلى دبلوماسيّين آخرين، مطالباً إيّاه بتحمّل المسؤولية في إعادة أبناء فلسطين إلى أرضهم، وإلّا «فسيدفع العالم الثمن». لكن، بين تأييده للحقوق ودعمه لها، مرّر الحريري موقف «الخائفين» على السيادة. فبالصراحة عينها، أشار إلى «واجب الدولة في توفير سلامة كل المقيمين، دون استثناء، وبسط سيادتها على جميع الأراضي خارج المخيمات وداخلها». وانطلق في موقفه من اعتبار «أنّ بناء الدولة أولوية، وخصوصاً أنّ الواقع الأمني للمخيمات هو واقع مأساوي، يلقي بظلاله على حدود واجبات الدولة، ومواقف العديد من الأطراف فيها». أكثر من ذلك، عاد الحريري بالتواريخ إلى الخلف، مستذكراً تضحيات لبنان «الذي افتدى فلسطين بسلامته وأرضه»، والمطلوب؟ «أن يدرك الأشقاء والفلسطينيّون المقيمون على أرضه أهمية الاستقرار فيه».
هنا، ضاع الفلسطينيّون. عند النقطة الأخيرة. كلٌّ فسّرها وفق مفهومه لسيادة الدولة. فثمة من علقت كلمة السيادة في ذهنه طاغيةً على بقية الكلمة، مثل سامر منّاع، الذي تحدثت إليه «الأخبار» على هامش اللقاء، والذي انتقد ربط المطالب الإنسانية بالأمن مباشرةً، وثمة من وجد أنّ من الضروري تحميل المجتمع الدولي والفلسطينيّين مسؤولية أيضاً كي يشعروا بأنّ عليهم كذلك واجبات، مثل إدوار كتورة من السفارة الفلسطينيّة. ليس الفلسطينيّون فحسب، فاللبنانيون أيضاً كان لهم موقفهم، ليس من السيادة، بل من الحقوق، وخصوصاً المعترضين منهم على بعض الاقتراحات. ومن بين هؤلاء النائب آلان عون، الذي قال لـ«الأخبار»، على هامش الجلسة، إنّ «الحقوق المفترض إعطاؤها للفلسطينيّين هي تلك الواجبة»، مضيفاً "ثم إنّ الإيحاء بأن إعطاء هذه الحقوق للّاجئين سيحلّ قضية فلسطين هو مجرد بروباغندا». وتعليقاً على نقاش اللجان النيابية للاقتراحات، أشار عون إلى «أن في أشياء رح تكون وأخرى لن تكون».
مع ذلك، كانت كلمة الحريري أبرز ما تضمّنه اللقاء، الذي لم يخلُ من موضوعات أخرى، منها الموضوع الأساسي. تحت هذا العنوان، تحدّثت مجذوب عن 4 سنوات من عمل لجنة الحوار، وتطرقت إلى رؤية اللجنة، التي ترى في «العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية محل اهتمام للحكومة». أمّا بالنسبة إلى خطة المستقبل، فقد طرحت 6 بنود تتعلّق «بتفعيل دور اللجنة ودور الوزارات الأعضاء فيها، وتعزيز الشراكة مع الأونروا، وإعادة إعمار نهر البارد، وتوفير الحقوق ونشر الحوار بين الطرفين».
من جهته، شدّد سفير فلسطين في لبنان عبد الله عبد الله على أن «ما يطلبه الفلسطيني هو أن تُحفظ كرامته، وقد اتخذت قيادته السياسية عدة خطوات لطمأنة الجميع إلى أنّ المطالبة بالحقوق ليس وراءها لا مخطط سياسي، ولا أمني ولا عسكري»، وطالب بقرار «لبناني توافقي جامع» لمنح اللاجئين الفلسطينيين حقوقاً، مثل التملّك والعمل والضمان الصحي، مع كل «الضوابط التي يراها المشرّع اللبناني ضرورية» لضمان عدم التوطين.. أمّا مدير مكتب الأونروا في بيروت سلفاتوري لومباردو، فلفت إلى «ضرورة الفصل بين دعم إعطاء الحقوق للّاجئين الفلسطينيّين، والنقاش بشأن القضية السياسية الفلسطينية». ووجّه، كما فعل مايكل وليامس، المنسق الخاص بالأمم المتحدة في لبنان، الذي كان حاضراً هو الآخر، نداءً إلى المجتمع الدولي للإيفاء بالتزاماته تجاه عملية إعمار البارد «الذي ينقصه حوالى 103 ملايين دولار لهذا العام»، معلناً أنه «في أواخر العام الجاري، ينتهي العمل بالرزمة الأولى، ويعود السكان إليها».